TOP

جريدة المدى > سياسية > مندائيون لصحيفة الغارديان: حياتنا ستنتهي إذا جف نهر دجلة

مندائيون لصحيفة الغارديان: حياتنا ستنتهي إذا جف نهر دجلة

تقلصت أعدادهم في العراق إلى أقل من 10 آلاف شخص

نشر في: 17 ديسمبر, 2025: 12:08 ص

 ترجمة: حامد أحمد

تناول تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية تبعات الجفاف وتراجع مناسيب المياه التي حلّت بنهر دجلة، مع زيادة نسبة التلوث فيه وتهديده بالجفاف ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة لإنقاذه، حيث سيؤثر ذلك جذريًا على مناسك وحياة طائفة المندائيين الذين يعيشون على ضفافه، مشيرين إلى أنه يمثل الحياة بالنسبة لهم، وبدون ماء لا توجد حياة، في وقت تقلصت أعدادهم في البلد إلى ما دون عشرة آلاف شخص.

 

نظام كريدي الصابئي، 68 عامًا، أحد شيوخ الصابئة المندائيين في مدينة العمارة جنوبي العراق، يقول لصحيفة الغارديان إنه اعتاد على شرب الماء من نهر دجلة الجاري، مشيرًا إلى أنه لم يمرض يومًا بسبب شربه من مياه نهر دجلة، ويعتقد أنه طالما كان الماء جاريًا فهو نظيف. لكن الحقيقة أن هذا الجريان نفسه الذي اعتادوا عليه قد يتوقف قريبًا.
نهر دجلة الشهير في العراق ملوّث بشدة ومهدّد بالجفاف. وإذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لإنقاذه، فإن حياة المجتمعات القديمة التي تعيش على ضفافه ستتغير بشكل جذري.
يقول الشيخ كريدي الذي اعتاد على الاغتسال بانتظام على ضفاف نهر دجلة بمدينة العمارة منذ أن كان عمره شهرًا واحدًا: "لا ماء، يعني لا حياة".
الصابئة المندائيون أتباع واحدة من أقدم الديانات في العالم. وكان جنوب العراق موطنهم لأكثر من ألف عام، ولا سيما في محافظة ميسان. وتُبنى العمارة، عاصمة المحافظة، حول نهر دجلة. ويُعدّ الماء محورًا أساسيًا في عقيدتهم، إذ يتطلب كل حدث كبير في الحياة طقوس تطهير. تبدأ مراسم الزواج في الماء، وقبل لفظ أنفاسهم الأخيرة ينبغي نقل المندائيين إلى النهر لإجراء الطهارة الختامية.
يقول الشيخ المندائي كريدي: "بالنسبة لديننا، أهمية الماء مثل الهواء. من دون الماء لا يمكن للحياة أن توجد. في بداية الخلق، كان آدم أول إنسان على الأرض. وقبل آدم كان هناك الماء، وكان الماء أحد العناصر التي خُلِق منها آدم".
يُعدّ نهر دجلة واحدًا من النهرين الشهيرين اللذين يحتضنان بلاد الرافدين، وكانا يشكلان جزءًا مما يُعرف بـ"الهلال الخصيب".
ينبع النهر من جنوب شرق تركيا، ويمتد على طول العراق، مارًّا بأكبر مدينتين فيه، الموصل وبغداد، إلى أن يلتقي بنهر الفرات، حيث يواصلان معًا، كنهر شط العرب، رحلتهما جنوبًا نحو الخليج.
يقول سلمان خير الله، مؤسس منظمة "حماة دجلة" غير الحكومية المكرسة لحماية النهر: "كل حياة العراقيين تعتمد على الماء. كل الحضارة وكل القصص التي تسمعها تعتمد على هذين النهرين. الأمر أكثر من مجرد ماء للشرب أو للري أو للاستخدام أو للغسل… إنه أكثر حتى من الجانب الروحي".
لكن صحة النهر في تدهور منذ عقود. فقد كان العراق يمتلك بنية تحتية متقدمة لمعالجة المياه، إلى أن جعلتها الولايات المتحدة هدفًا خلال عملية "عاصفة الصحراء" عام 1991. ومع تدمير محطات المعالجة، تدفقت مياه الصرف الصحي إلى المجاري المائية. وسنوات من العقوبات والصراع حالت دون تعافي البنية التحتية بشكل كامل. اليوم، في جنوب ووسط العراق، لا يتصل سوى 30% من الأسر الحضرية بشبكات معالجة مياه الصرف الصحي، بينما تنخفض هذه النسبة إلى 1.7% فقط في المناطق الريفية.
إلى جانب النفايات البلدية، تتدفق إلى النهر الأسمدة الكيميائية والمبيدات عبر الجريان الزراعي، إضافة إلى النفايات الصناعية، بما فيها مخلفات قطاع النفط، والنفايات الطبية. ووجدت دراسة أُجريت عام 2022 أن جودة المياه في مواقع عدة داخل بغداد صُنّفت بأنها "سيئة" أو "سيئة جدًا". وفي عام 2018، تلقى ما لا يقل عن 118 ألف شخص العلاج في مستشفيات مدينة البصرة الجنوبية بعد شربهم مياه ملوثة.
وتزيد أزمة المناخ الوضع سوءًا. فقد سجّل العراق انخفاضًا بنسبة 30% في معدلات الهطول المطري، ويعاني من أسوأ موجة جفاف منذ ما يقرب من قرن. ومن المتوقع أن يتجاوز الطلب على المياه العذبة ما هو متوفر بحلول عام 2035. وخلال هذا الصيف، انخفض منسوب دجلة إلى درجة يمكن معها الناس من عبوره سيرًا على الأقدام.
يرى خير الله أن السدود المقامة في أعالي النهر وسوء الإدارة هما أكبر مصدرين للقلق، لأن انخفاض حجم المياه يؤدي إلى زيادة تركّز الملوثات. ويقول: "جودة المياه تعتمد على كميتها ووفرتها".
وقد اضطرت الحكومة العراقية مرارًا إلى الضغط على جارتها الشمالية لإطلاق كميات أكبر من المياه من سدودها. وتثير تركيا في هذه النقاشات قضية الهدر داخل العراق كأحد المخاوف الرئيسية.
في تشرين الثاني/نوفمبر، وقّعت بغداد وأنقرة آلية لمعالجة بعض مشكلات النهر، تشمل وقف التلوث، وإدخال تقنيات ري حديثة، واستصلاح الأراضي الزراعية، وتحسين إدارة الموارد المائية. وقد وُصفت بأنها اتفاق "النفط مقابل الماء"، إذ ستتولى شركات تركية تنفيذ مشاريع البنية التحتية مقابل تمويلها من عائدات النفط. وروّجت وزارة الخارجية العراقية للاتفاق بوصفه "الأول من نوعه".
لكن الاتفاق واجه انتقادات حادة من خبراء ونشطاء بيئيين والرأي العام، بسبب غياب التفاصيل المعلنة، والمخاوف من أنه يمنح أنقرة سيطرة على الموارد المائية العراقية، إضافة إلى كونه غير ملزم رسميًا.
وقال محسن الشمري، وزير الموارد المائية السابق: "لا يوجد اتفاق فعلي حتى الآن. أعتقد أنه أقرب إلى كونه دعاية انتخابية".
وقد جرى توقيع الاتفاق قبل تسعة أيام فقط من الانتخابات العامة في العراق.
ومن دون الماء، يخشى الشيخ كريدي على مستقبل أتباعه الصابئة المندائيين في جنوب العراق. فقد غادر كثيرون منهم البلاد أو انتقلوا شمالًا إلى إقليم كردستان. وتُقدَّر أعدادهم حول العالم بين 60 ألفًا و100 ألف شخص، فيما لم يبقَ في العراق منهم سوى أقل من 10 آلاف شخص. وقد يكون موت نهر دجلة هو المسمار الأخير في نعش وجودهم التاريخي.
عن الغارديان

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق منارات

مقالات ذات صلة

محاولات جديدة لطرق باب الصدر.. وهاجس عبد المهدي يخيّم على
سياسية

محاولات جديدة لطرق باب الصدر.. وهاجس عبد المهدي يخيّم على "الإطار"

بغداد/ تميم الحسن يعود اسم "مقتدى الصدر" إلى الواجهة مرة أخرى، لا بوصفه لاعباً مباشراً في المفاوضات، بل كعامل قلق يلاحق خصومه. فـ"الإطار التنسيقي" يجد نفسه، مجدداً، وهو يغازل زعيم التيار الصدري عند كل...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram