بغداد/ تميم الحسن
يعود اسم "مقتدى الصدر" إلى الواجهة مرة أخرى، لا بوصفه لاعباً مباشراً في المفاوضات، بل كعامل قلق يلاحق خصومه. فـ"الإطار التنسيقي" يجد نفسه، مجدداً، وهو يغازل زعيم التيار الصدري عند كل منعطف حساس يتعلق باختيار رئيس الحكومة المقبل، في سلوك يراه خصومه أقرب إلى التخبط منه إلى التكتيك.
هذا التردد، بحسب مصادر سياسية مطلعة، يعكس خوفاً عميقاً من حسم موقف نهائي في لحظة شديدة الحساسية. مرة يحاول التحالف الشيعي استقراء ما قد يريده الصدر، ومرة أخرى يترقب إشارات المرجعية، من دون أن ينجح حتى الآن في تحويل هذه القراءات إلى قرار سياسي واضح.
وحتى اللحظة، لم يتمكن "الإطار" من الاتفاق على مرشحه لرئاسة الحكومة، وهو عجز بدا واضحاً في آخر اجتماع عقده التحالف في منزل رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد شياع السوداني، حيث غاب ملف الترشيحات عن النقاشات باستثناء اشارات ضعيفة، وفق ما أفاد بيان عن الاجتماع.
في المقابل، لا توحي مسارات التفاوض الجارية بأن الحكومة المقبلة ستشهد إقصاءً حقيقياً لـ"الفصائل" عن مواقع النفوذ، على خلاف ما تطرحه واشنطن من شروط ورؤى. ويقول مسؤولون مطلعون إن الصيغة المتداولة حالياً تعكس موازين القوى داخل التحالف الشيعي أكثر مما تستجيب لضغوط أميركية.
ويذهب بعض هؤلاء إلى أبعد من ذلك، محذرين من أن المشهد السياسي يتجه نحو إعادة إنتاج تجربة عام 2018، حين تشكلت حكومة عادل عبد المهدي بوصفها تسوية اضطرارية بين قوى متنافسة، من دون رؤية موحدة أو غطاء سياسي صلب، وهو ما انعكس حينها ببرود أميركي واضح، قبل أن تنتهي التجربة بانفجار سياسي وشعبي واسع.
ومع مطلع الأسبوع الحالي، بدأ العدّ التنازلي لتشكيل الحكومة فعلياً، بعد أن أعلنت المحكمة الاتحادية مصادقتها على نتائج الانتخابات، وعرض مجلس القضاء الأعلى جدول "التوقيتات الدستورية" التي تحكم المراحل اللاحقة من العملية السياسية.
غير أن هذا الاستحقاق الزمني لم يدفع "الإطار التنسيقي" إلى تسريع خطاه، بل على العكس، قرر التحالف الشيعي تأجيل الإعلان عن مرشحه لرئاسة الحكومة إلى اللحظات الأخيرة التي تتيحها تلك التوقيتات. ويعوّل قادة التحالف على المهلة التي قد تمتد، في أقصاها، إلى نحو شهرين، إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية، باعتبارها فرصة لاحتواء الخلافات الداخلية قبل أن تتفاقم أو تنفجر على نحو علني.
وخلال هذه الفترة، تبدو المفاوضات وكأنها تدور في حلقة مفرغة. فبدلاً من توسيع دائرة الخيارات أو طرح أسماء جديدة يمكن أن تشكل مخرجاً وسطياً، عاد النقاش لينحصر مجدداً بين مرشحين اثنين فقط لرئاسة الحكومة، في مؤشر واضح على ضيق هامش التوافق داخل "الإطار" وعجزه، حتى الآن، عن إنتاج تسوية أكثر اتساعاً.
الهروب إلى الأمام
وللهروب من أزمته الداخلية، يقول سياسي شيعي إن "الإطار التنسيقي" لجأ إلى محاولة أخذ رأي مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، في شأن اختيار رئيس الحكومة المقبلة، في خطوة تعكس عمق الانقسام داخل التحالف.
ويضيف السياسي، في حديث لـ(المدى) شريطة عدم نشر اسمه، أن «حدة الخلافات داخل الإطار التنسيقي تدفعه إلى البحث عن منفذ، عبر عرض أسماء المرشحين إما على السيد الصدر أو على مرجعية النجف"، في محاولة لكسر حالة الجمود التي تعطل الحسم.
وفي هذا السياق، كشف القيادي في منظمة بدر محمد البياتي، خلال لقاء متلفز، عن وجود نية لدى "الإطار التنسيقي" لتكليف مجموعة خاصة بالذهاب إلى الصدر والتفاهم معه بشأن شكل الحكومة المقبلة. غير أن هذه المساعي، لم تلقَ حتى الآن أي إشارة أو رد من جانب زعيم التيار الصدري - بحسب اتصالات أجرتها (المدى) مع أوساط مقربة من الصدر-
ومنذ الانتخابات التي قاطعها ودعا أنصاره إلى عدم التصويت أو الترشح فيها، التزم الصدر صمتاً سياسياً كاملاً، مبتعداً عن التعليق على مجريات التفاوض، ومكرساً وقته لأنشطة دينية وحملات لجمع التبرعات. وكان قد رفض، في أكثر من مناسبة خلال الأشهر التي سبقت الانتخابات، التراجع عن قرار المقاطعة أو العودة إلى المشهد السياسي.
وتُظهر تجارب سابقة أن "الإطار التنسيقي" غالباً ما يكلّف هادي العامري، زعيم منظمة بدر، بمهمة فتح قنوات الاتصال مع الصدر، كما حدث عقب انتخابات عام 2021، وهي الاتصالات التي انتهت حينها باعتزال زعيم التيار الصدري، قبل أن يمضي التحالف الشيعي في تشكيل الحكومة من دونه.
وفي مسار موازٍ، كانت معلومات متداولة قد أشارت إلى أن قوى شيعية أرسلت في وقت سابق قائمة بأسماء مرشحين لمنصب رئيس الحكومة إلى المرجع الأعلى علي السيستاني، غير أن الأخير رفض التدخل في هذا الملف.
جلسات مكررة بلا حسم
ومنذ اسابيع "يلف ويدور" التحالف الشيعي، وفق تعبير مصادر سياسية، في قضية رئيس الحكومة دون حسم واضح، بسبب شدة التنافس بين اسمين فقط وهما رئيس حكومة تصريف الاعمال محمد السوداني، وزعيم "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي، اللذان يصران على تولي المنصب رغم وجود اسماء اخرى متنافسة.
ومساء الاثنين دعا الإطار التنسيقي، في اخر اجتماع له، إلى عقد جلسة البرلمان وانتخاب رئيسه، بعدما فشل في اختيار رئيس الوزراء الجديد بحسب ماكان متوقعا.
ووصفت مصادر في تيار الحكمة لـ(المدى)، سبقت الاجتماع الاخير الذي جرى في منزل السوداني، بانه "حاسم" وسيتم الكشف عن اسم رئيس الحكومة، وهو مالم يحدث.
بالمقابل أكد قصي محبوبة، القيادي في تحالف الاعمار والتنمية، الذي يتزعمه السوداني، ان "الاطار التنسيقي" لايبدو انه قريب من اخيتار رئيس الحكومة.
وقال لـ(المدى): "ليس لدي الاطار التنسيقي اليات او معاير واضحة في تقييم المرشحين لمنصب رئيس الوزراء او حتى التصويت عليهم».
وجاء في بيان اجتماع التحالف الشيعي، الاخير، مطالبة الاخير بـ"عقد جلسة مجلس النواب في أقرب وقت ممكن، والمضي بانتخاب هيئة رئاسة المجلس"، فيما اكتفى بالاشارة بشان رئيس الوزراء القادم، بانه قرر المضي في "الحوارات والنقاشات بين جميع الأطراف السياسية لحسم ملف تشكيل الحكومة».
وهذا هو الاجتماع الخامس للمجموعة الشيعية بعد اعلانه الشهر الماضي، بانه الكتلة الاكبر بنحو 170 مقعدا، تمهيدا لتكليف شخصية من داخل "الاطار" لرئاسة الحكومة المقبلة.
«شبح عبد المهدي» !
من قلب المفاوضات الجارية، يلوّح شبح تجربة عام 2018 مجدداً في المشهد السياسي العراقي. فبحسب سياسي شيعي مطّلع، لا يزال "الإطار التنسيقي" عاجزاً، حتى الآن، عن منع "الفصائل المسلحة" من التقدم نحو مواقع تنفيذية حساسة بما فيها "رئاسة الحكومة».
ويشير السياسي إلى أن القوى المسلحة، التي حصدت أكثر من 80 مقعداً في الانتخابات الأخيرة، دخلت بغالبيتها تحت مظلة "الإطار التنسيقي"، ما منحها ثقلاً يصعب تجاهله في معادلة تشكيل الحكومة، رغم التحذيرات الأميركية المتكررة من إشراك هذه الجماعات في السلطة.
ورغم أنه لا يجزم بأن "الفصائل" ستطرح شخصية من داخل صفوفها لرئاسة الوزراء، إلا أنه يرجّح أن تتجه إلى دعم "ممثل قريب منها" لتولي المنصب، محذراً من أن خطوة كهذه "ستستفز واشنطن"، على حد تعبيره.
وبحسب التقديرات ذاتها، فإن الولايات المتحدة قد لا تتدخل علناً في تسمية رئيس الوزراء المقبل، لكنها في المقابل قد تلجأ إلى مقاطعة سياسية لحكومة تشارك فيها الفصائل المسلحة، في سيناريو يعيد إلى الأذهان تعاملها البارد مع حكومة عادل عبد المهدي.
وفي هذا السياق، تكثّف السفارة الأميركية في بغداد تحركاتها، إذ تقوم منذ أسابيع بجولات مكوكية شملت عدداً من الزعامات الشيعية، بينهم مرشحون محتملون لرئاسة الحكومة. وتؤكد معلومات حصلت عليها (المدى) أن هذه اللقاءات تُجرى بشكل شبه يومي مع شخصيات سياسية مؤثرة في مسار التفاوض.
وكانت السفارة الأميركية قد أبلغت (المدى) في وقت سابق أن إشراك الفصائل المسلحة في الحكومة المقبلة من شأنه أن ينعكس سلباً على شكل الشراكة مع الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن واشنطن "تحتفظ بخيارات مفتوحة" للرد على أي مسار من هذا النوع.









