الموصل / سيف الدين العبيدي
تعمل «مركبة التراث»، التي يشرف عليها كادر أكاديمي مسيحي مختص بالتاريخ والفنون، على التنقل بين الأقضية والمحافظات العراقية، لتقديم برامج وورش تعليمية متنوعة، تشمل التدريب على الكتابة بالخط المسماري، وعرض أفلام تعريفية ووثائقية، وتنظيم محاضرات عن الآثار، إلى جانب تعليم الرسم والنحت، فضلاً عن مكتبة متنقلة تتيح استعارة الكتب خلال فترة تواجد المركبة في كل موقع. وتُقدَّم هذه الأنشطة تحت مظلة خيمة جُسِّدت عليها أبرز المعالم الأثرية العراقية.
ويقول المسؤول عن المركبة، الكاتب بالشأن المسيحي والحاصل على درجة الماجستير في الإعلام، بهنام شمني، في حديثه لـ«المدى»، إنه يهتم بالتاريخ ويكتب فيه منذ سنوات، ومن هذا الاهتمام انطلق بمشروع «مركبة التراث» في نيسان 2024، بمشاركة فريق متكامل من ناحية برطلة. ويبيّن أن المشروع نفّذ حتى الآن 43 برنامجًا في محافظات نينوى وأربيل ودهوك، مع طموح للوصول إلى بغداد والأنبار خلال عام 2026، ثم التوسع لاحقًا ليشمل عموم العراق.
ويؤكد شمني أن جميع خدمات المركبة تُقدَّم مجانًا، بدعم من منظمة «ميسوبوتاميا» الفرنسية، مشيرًا إلى أن الهدف الرئيس يتمثل في ترسيخ قيمة التراث والآثار لدى المجتمع. ويرى أن هناك توجهًا ملحوظًا من الجيل الحالي نحو الاهتمام بالتراث، بوصفه ردّة فعل على الدمار الذي أصاب المدن، موضحًا أن كل برنامج يستمر خمسة أيام. ويضيف أن أبعد منطقة وصلت إليها المركبة هي قرية «هوريسك» الأرمنية في محافظة دهوك، التي تأسست عام 1920 على يد الأرمن المرحّلين من تركيا، واستغرق الوصول إليها نحو ساعتين، وتضم حاليًا 80 عائلة أرمنية، قسم منهم مهجّرون من بغداد منذ عام 2006، وقد أقامت المركبة فيها خمسة أيام. ويبيّن أن المركبة مجهزة بجميع متطلبات التخييم، من خيمة ومقاعد وطاولات وشاشة عرض وأدوات للرسم والنحت والكتابة، فيما تضم المكتبة كتبًا تاريخية حصراً. ويصف شمني الخيمة بأنها «عراق مصغّر»، إذ جمعت مسلمين ومسيحيين وإيزيديين، إلى جانب عرب وأكراد وشبك.
وفي ما يتعلق بعودة المسيحيين إلى نينوى، يرى شمني أن موجة هجرة المسيحيين قد توقفت، ويعدّ ذلك خطوة إيجابية، لافتًا إلى أن نحو 35 في المئة من مسيحيي العراق هاجروا إلى الخارج، إلا أن الغالبية منهم يزورون نينوى باستمرار، ولا سيما أن كثيرًا من ممتلكاتهم ما زالت قائمة، وهو ما يعتبره مؤشرًا مشجعًا، ولا يستبعد عودة عدد كبير منهم خلال السنوات المقبلة.
من جانبه، يوضح عضو منظمة «ميسوبوتاميا» مجيد بطرس أن المنظمة تأسست عام 2015 في أربيل، بدعم فرنسي، وعملت على استقطاب سياح من مختلف الجنسيات إلى العراق، بهدف تعريفهم بحضارة وادي الرافدين. ويبيّن أن المنظمة تعمل حاليًا على إعادة إحياء أيقونة «عماذ السيد المسيح» في كنيسة مار كوركيس للأرثوذكس في الحمدانية، وهي عبارة عن رسومات نفّذها راهب قبل نحو 850 عامًا، وتجسّد مشهد تعميد يوحنا المعمدان للسيد المسيح في نهر الأردن.









