واسط / جبار بچاي
يشكو عدد كبير من العرسان الجدد من التقاليد التي ظهرت مؤخرًا، وأصبحت عرفًا اجتماعيًا سائدًا يستنزفهم ماديًا، رغم أنهم في بداية طريق الحياة الزوجية. وتبدأ هذه التقاليد مع مرحلة الخطوبة، أو ما يُعرف بـشية»، التي يقوم بها أهل الشاب الخاطب عند ذهابهم إلى منزل الفتاة لطلب يدها.
وبرزت في الآونة الأخيرة ظاهرة جديدة لا يُعرف على وجه الدقة متى وكيف ظهرت، أضافت تعقيدًا جديدًا على مجتمع العرسان، وتمثلت بنصب خيمة بيضاء مع كراسٍ باللون ذاته، وأرضية مفروشة بالسجادة الحمراء، إلى جانب تجهيزات أخرى أكثر كلفة، مثل الورد الطبيعي، وما يُعرف بـ«الكوشة»، وغيرها من التفاصيل. ولا يدوم هذا المشهد أكثر من نصف ساعة، تتخللها مراسم الخطوبة، لينتهي الأمر بأحد طرفيها، الشاب أو الفتاة، مثقلًا بتكاليف مالية كبيرة.
ويقول رجل الدين جاسم الدلفي إن «الخطوبة في الإسلام هي فترة تمهيدية للزواج، قائمة على الضوابط الشرعية، وهدفها تحقيق التوافق بين الطرفين الشاب والفتاة، وكذلك بين عائلتيهما، وهي تؤسس لمرحلة مهمة تتمثل بعقد القران، الذي يُجريه رجل الدين المأذون، ثم تُستكمل الإجراءات القانونية بتصديق الخطوبة في المحاكم المختصة، وكل ذلك يُعد مقدمات لبناء الأسرة».
وأوضح الدلفي أن «الخطوبة كانت في السابق سهلة وبسيطة وميسرة للطرفين، تبدأ وتنتهي بتعارف الأهل، ثم الموافقة وتحديد المهر، أو ما يُعرف بالحاضر والغائب، وبعدها يحضر عدد محدود من أقارب الخاطب إلى بيت أهل الفتاة لإعلان الخطوبة، وتُتم المراسم بقراءة سورة الفاتحة، ثم يُقدَّم الشاي للضيوف مع شيء بسيط من الحلويات المعروفة قديمًا، مثل الملبّس وأصابع العروس».
وأشار إلى أن «الخطوبة في الوقت الحاضر تحولت إلى ظاهرة بذخ وتظاهر من دون مبرر، ومن دون مراعاة للجانب المادي، إذ استُبدل الشاي وأصابع العروس بالعصائر، وأنواع متعددة من الحلويات والكيك والمعجنات، مع إلزام وضعها في علب خاصة تُصنع خصيصًا للمناسبة، فضلًا عن إحضار الورد الطبيعي والكوشة».
وأضاف أن «من المظاهر الجديدة أيضًا نصب خيمة بيضاء، أو ما يُعرف بالجادر الأبيض، أمام منزل أهل الفتاة، مع جلب كراسٍ بيضاء، وسجادة حمراء، وديكورات من الورد، ونشرات ضوئية ملونة، وغيرها من مظاهر التباهي، التي ترهق في محصلتها الشاب أو الفتاة، أو كليهما معًا».
وبيّن أن «تكاليف هذه التحضيرات يتحملها في الغالب الخاطب، أو يُتفق على تقاسم جزء منها مع أهل الفتاة، لكنها في الواقع مكلفة للطرفين، ولا مبرر لها سوى المغالاة والتباهي».
من جهته، يقول الشاب أمجد السراي إن «التفاهم بين أهلي وأهل خطيبتي على الحاضر والغائب كان مناسبًا، لكن سرعان ما ظهرت طلبات غير مبررة، من بينها نصب الخيمة البيضاء وتجهيز مستلزماتها، ابتداءً من السجادة الحمراء والكراسي، وصولًا إلى علب المهر والحلوى، ثم جلسة التصوير، لتبلغ كلفة ذلك كله ثلاثة ملايين و315 ألف دينار».
وأكد أن «هذا المبلغ كان كافيًا لتجهيز غرفة الزواج بالمستلزمات الأساسية، مثل الأجهزة الكهربائية الضرورية وغيرها».
من جانبها، تقول الفتاة أزهار الحسني إن «هذه المظاهر أصبحت واقع حال لا مفر منه، ودخلت على المجتمع العراقي مؤخرًا، ولا فائدة منها سوى إرهاق المقبلين على الزواج».
وأضافت أن «خطيبها، عند تقدمه لطلب يدها، لم يكن يفكر بالمغالاة حتى في المهر، واتفق الطرفان على أن يكون عشرة ملايين دينار للحاضر ومثلها للغائب، لأن الهدف هو الارتباط وليس المال، وحتى الخطوبة أرادوها بسيطة وغير مكلفة، وأن تكون المشية مختصرة وفي منزل العائلة، لكن الأمور انقلبت رأسًا على عقب».
وأوضحت أن «أقاربها كانوا السبب في تغيير الصورة والشكل المقرر للخطوبة، إذ تجاوز عدد الحضور المئة شخص، ولم تتسع لهم الخيمة البيضاء ولا السجادة الحمراء، ما اضطر الخطيب إلى تجهيز كميات كبيرة من الحلويات والعصائر والورود، ليتحمل كلفة بلغت مليونًا و854 ألف دينار، الأمر الذي دفع أهلها إلى الإصرار على مساعدته، لأن هذا المبلغ كان أولى أن يُصرف على تجهيز بيت الزوجية».
بدوره، يقول الحاج أبو أنمار إنه «حين زوّج ابنته لأحد المتقدمين لخطبتها، اشترط منذ البداية أن تكون الخطوبة ميسّرة وخالية من التكاليف، استنادًا إلى قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «أيسرهن مؤونة أكثرهن بركة»».
وأضاف أن «ذلك لم يمنعه من دعم زواج ابنته وتقديم الكثير لها، لكنه في المقابل كسب شخصًا وعائلة تبادله التفاهم والاحترام، وحقق انسجامًا كبيرًا بين الزوجين، وهو المكسب الأهم»، معربًا عن أمله بأن «يسير الآباء على هذا النهج من أجل راحة وسعادة أبنائهم».









