TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > الجلسة الأولى للبرلمان: الرئاسة والنائب الأول في قلب الخلاف

الجلسة الأولى للبرلمان: الرئاسة والنائب الأول في قلب الخلاف

مخاوف من إعادة «سيناريو 2022»

نشر في: 18 ديسمبر, 2025: 01:25 ص

بغداد/ تميم الحسن

تتجه البلاد – على الأرجح – نحو جلسة برلمانية في نهاية الشهر الحالي من دون حسم أيٍّ من الرئاسات الثلاث، في مشهد يعيد إلى الأذهان انسداد عام 2022 حين دخلت العملية الدستورية دوّامة تأجيل مفتوحة.
حتى الآن، لم تنجح القوى السنية في الاتفاق على مرشح لرئاسة البرلمان، وهو المنصب الذي يُفترض أن يفتح السلسلة الدستورية المؤدية إلى تشكيل الحكومة، قبل الانتقال إلى استحقاق رئاسة الجمهورية.
على الضفة الأخرى، لم ينجز الأكراد بعد اجتماعاً حاسماً بشأن منصب رئاسة الجمهورية، الثاني في الترتيب الدستوري، والأكثر تعقيداً بفعل شروط المحكمة الاتحادية التي حوّلت المنصب إلى عقدة سياسية وقانونية مزدوجة.
أما داخل البيت الشيعي، فتلوح أزمة أشدّ تعقيداً. فتمرير رئيس البرلمان يتطلب انتخاب نائبيه معاً، أحدهما سيكون حُكماً من حصة «الإطار التنسيقي»، وهو تحالف لم يتقدّم حتى الآن خطوة حاسمة في ملف تسمية رئيس الوزراء أو حسم بقية المناصب العليا.
الاستحقاق الأول بلا توافق حتى الآن
ووفق التوقيتات الدستورية، دعا الرئيس عبد اللطيف جمال رشيد، يوم الثلاثاء الماضي، البرلمان الجديد إلى عقد جلسته الأولى في 29 كانون الأول الحالي، بعد يومين فقط من مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات. غير أن الدعوة، بدلاً من أن تفتح باب الحسم، أعادت تسليط الضوء على حجم التعقيد الذي يسبق الجلسة المرتقبة.
تقول مصادر سياسية مطلعة إن القوى السنية لم تتمكن، حتى الآن، من حسم اسم مرشحها لرئاسة البرلمان، وهو المنصب الأهم بالنسبة لمكوّن يمتلك أكثر من 70 مقعداً نيابياً. وفي الكواليس، يجري تداول ثلاثة أسماء: رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، زعيم تحالف «تقدم»، ومثنى السامرائي، زعيم تحالف «عزم»، إضافة إلى زياد الجنابي، النائب المنشق عن الحلبوسي، كخيار ثالث أقل حظاً.
ورغم عقد القوى السنية ثلاث جلسات منذ إعلانها، الشهر الماضي، تشكيل «المجلس السياسي الوطني» – على غرار «الإطار التنسيقي» الشيعي – بهدف توحيد الموقف وحسم المنصب، لم يصدر حتى الآن أي إعلان رسمي يشير إلى توافق نهائي.
وبحسب المصادر نفسها، فإن تمرير أي اسم لرئاسة البرلمان لن يكون ممكناً من دون موافقة «الإطار التنسيقي» والقوى الكردية معاً. ويزداد هذا الشرط تعقيداً في ظل تحفظات كردية، خصوصاً داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني، على عودة الحلبوسي إلى المنصب، وهي تحفظات قد تعرقل تسريع التسوية.
تعود جذور هذه التحفظات إلى أواخر عام 2023، حين أُلغيت عضوية الحلبوسي من رئاسة البرلمان على خلفية ما عُرف بـ«قضية التزوير». في تلك المرحلة، أطلق الحلبوسي سلسلة مواقف حادة تجاه إقليم كردستان، قبل أن يلمّح لاحقاً إلى إمكانية مطالبة القوى السنية بمنصب رئاسة الجمهورية، وهو الموقع الذي يشغله الأكراد عرفاً منذ عام 2003.
في المقابل، تحرك منافسو الحلبوسي سريعاً باتجاه أربيل، وعقدوا لقاءات مباشرة مع مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، في محاولة لكسب دعم مبكر. ولم يُسجَّل، حتى الآن، لقاء مماثل للحلبوسي، رغم تسريبات تحدثت عن مساعٍ غير معلنة لترميم العلاقة بين الجانبين.
وعلى الضفة الأخرى من المشهد، يبدو الحلبوسي معتمداً على شبكة علاقاته المتنامية مع قوى شيعية نافذة. فقد كثّف تواصله خلال الفترة الأخيرة مع قيس الخزعلي، زعيم «عصائب أهل الحق»، وهادي العامري، زعيم «منظمة بدر»، وصولاً إلى محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة المنتهية ولايته، في محاولة لتعويض الفتور الكردي بدعم شيعي.
«سيناريوهات» مألوفة
وفق الإطار الدستوري، يُفترض أن تفتح دعوة رئيس الجمهورية إلى الجلسة الأولى للبرلمان مساراً واضحاً لتشكيل السلطة. فالمادة 54 من الدستور تحدد مهلة 15 يوماً من تاريخ مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات لعقد الجلسة الأولى، على أن يتم خلالها، بحسب المادة 55، انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه.
وهنا تبرز عقدتان أساسيتان. الأولى تتعلق باحتمال عجز القوى السنية عن حسم مرشح واحد لرئاسة البرلمان، ما يعني دخول الجلسة بأكثر من اسم متنافس، وربما مرشحين اثنين على الأقل. أما العقدة الثانية فتتصل بهوية نائبي رئيس المجلس، وهو ملف لا يقل تعقيداً عن منصب الرئيس نفسه.
السيناريو الأول ليس جديداً على الحياة السياسية العراقية. فقد اختبره البرلمان والقوى السنية تحديداً بعد إبعاد محمد الحلبوسي من رئاسة المجلس أواخر عام 2023، حين بقي المنصب شاغراً قرابة عام كامل بفعل الخلافات الداخلية وتدخلات «الإطار التنسيقي»، قبل أن يُحسم أخيراً باختيار محمود المشهداني في نهاية أيلول 2024.
أما العقدة الثانية، فقد كانت الشرارة التي فجّرت واحدة من أكبر أزمات ما بعد انتخابات 2021. حينها، نجح «التحالف الثلاثي» – الذي ضم التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وتحالف «تقدم»، والحزب الديمقراطي الكردستاني – في تمرير الحلبوسي رئيساً للبرلمان بعد نحو شهرين من الانتخابات، مع حاكم الزاملي، عن التيار الصدري، نائباً أول، وشاخوان عبد الله عن الحزب الديمقراطي نائباً ثانياً.
تلك الجلسة سبقتها فوضى سياسية وإعلامية، بعدما ادعى محمود المشهداني، الذي أدار الجلسة بصفته «رئيس السن»، أنه تعرض للضرب من قبل نواب صدريين، قبل أن يتراجع لاحقاً ويقرّ بأن الحادثة لم تقع، وأنه اختلقها عمداً لتعطيل الجلسة، في لحظة كان الصدريون يستعدون فيها لتقديم طلب رسمي يثبت كونهم «الكتلة الأكبر» من دون بقية القوى الشيعية.
هذا الموقف، وفق مراقبين، خدم المشهداني سياسياً، إذ عاد بعد ثلاث سنوات إلى رئاسة البرلمان بدعم مباشر من «الإطار التنسيقي»، ولا سيما جناح نوري المالكي، زعيم ائتلاف «دولة القانون»، في ما عُدّ مكافأة متأخرة على دوره في تلك الجلسة.
اليوم، تعود الأسئلة نفسها بصيغة أكثر تعقيداً. فـ«الإطار التنسيقي»، الذي أعلن الشهر الماضي أنه يشكل الكتلة الأكبر داخل البرلمان، سيكون مطالباً بحسم اسم نائب رئيس البرلمان هذه المرة. وتشير التوقعات إلى أن منصبي النائبين سيتقاسمان، بحكم العرف السياسي، بين المكونين الشيعي والكردي.
غير أن اختيار النائب الأول لا يبدو معزولاً عن ملف رئاسة الحكومة. إذ يُتداول اسم وزير العمل أحمد الأسدي كأحد المرشحين المحتملين للمنصب، لكن تمرير هذا الخيار يفترض أولاً حسم اسم رئيس الوزراء، في ظل عرف سياسي بأن الكتلة التي تؤول إليها رئاسة الحكومة لن تشغل في الوقت نفسه موقع نائب رئيس البرلمان، وهو ما قد يضيف تعقيداً جديداً إلى الجلسة الأولى.
وبحسب القواعد الدستورية، يتولى رئاسة الجلسة الأولى «أكبر الأعضاء سناً»، وهو في هذه الدورة النائب عن محافظة البصرة عامر الفايز، وفق بيانات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. وبعد انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه في الجلسة نفسها، يمنح الدستور المجلس مهلة لا تتجاوز 30 يوماً لانتخاب رئيس الجمهورية، وفق المادة 72، وبأغلبية الثلثين (220 نائباً) استناداً إلى تفسير المحكمة الاتحادية. وهي المرحلة التي توصف بأنها الأصعب في ظل الانقسامات الحادة داخل المشهد السياسي.
حتى الآن، لا تبدو القوى الكردية الرئيسية – الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني – قريبة من تجاوز خلافاتها. فرغم استئناف الاتصالات بين الطرفين قبل أيام، لم تفضِ الاجتماعات إلى نتائج واضحة، ما يبقي استحقاق رئاسة الجمهورية معلقاً بدوره.
استمرار «الإطار» يخفف فرص المفاجآت
بدوره، يعلّق إحسان الشمري، الأكاديمي ورئيس مركز التفكير السياسي العراقي، على السيناريوهات المتوقعة للجلسة الأولى للبرلمان، قائلاً إن عودة ائتلاف «الإعمار والتنمية» الذي يتزعمه السوداني إلى «الإطار التنسيقي» تشير بوضوح إلى غياب أي مفاجآت محتملة في المشهد السياسي.
ويوضح الشمري لـ«المدى» أن استمرار ائتلاف السوداني داخل مظلة «الإطار التنسيقي»، بدلاً من المضي في مسار حوارات قد تقود إلى تحالفات عابرة للمكونات التقليدية، أغلق الباب أمام سيناريوهات غير متوقعة.
ويضيف أن وجود نحو 105 نواب محسوبين على الفصائل المسلحة، والذين يشكلون الركيزة الأساسية للإطار، لا يوحي بإمكانية تفككه بوصفه الكتلة الأكبر داخل البرلمان، نظراً لالتزام هؤلاء بمظلته السياسية، وتفضيلهم البقاء ضمن هذا الإطار على الدخول في تحالفات تتعارض مع مرتكزاتهم العقائدية أو السياسية.
ويشير الشمري إلى أن تشكيل «المجلس السياسي الوطني» السني، إلى جانب استمرار طاولة المفاوضات بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، يعكس استمرار ما يسميه «البيوتات السياسية» ذاتها التي حكمت المراحل السابقة.
كما يلفت إلى أن القوى السنية والكردية لا تبدو راغبة في العودة إلى سيناريوهات المواجهة السياسية أو الأمنية، على غرار ما حدث عام 2022 عند تشكيل «التحالف الثلاثي»، إذ لا تبدو هذه القوى مستعدة اليوم لدفع أثمان تحالفات عابرة للأعراف السياسية السائدة.
النقاشات حول نواب الرئيس
وفي هذا السياق، يرى الشمري أن «المجلس السياسي الوطني» السني يحقق تقدماً نسبياً مقارنة ببقية القوى، سواء داخل «الإطار التنسيقي» أو على مستوى الأحزاب الكردية، مرجعاً ذلك إلى إدراك هذه القوى أن منصب رئيس مجلس النواب يمثل الاستحقاق الأول، وأن حسمه السريع بات ضرورة سياسية.
ويضيف أن «حصر التفاهمات داخل البيت السني، والوصول حتى الآن إلى اسمين فقط لمنصب رئاسة البرلمان، يعطي مؤشراً على إمكانية انتخاب رئيس للمجلس في الجلسة الأولى». غير أن الإشكالية الحقيقية، بحسب الشمري، لا تكمن في منصب الرئيس بقدر ما تتعلق بمنصب النائب الأول، فيما قد يذهب منصب النائب الثاني مجدداً إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، كما حدث في الدورة السابقة.
ويحذّر الشمري من أن عدم حسم «الإطار التنسيقي» لخياراته الداخلية بشأن منصب النائب الأول قد يؤدي إلى تأخير عملية الاختيار، رغم أن تدخل مجلس القضاء في ملف التوقيتات الدستورية يشكل عاملاً ضاغطاً، ليس فقط على انتخاب رئيس البرلمان، بل أيضاً على استحقاق رئاسة الجمهورية.
ولا يستبعد الشمري الدخول إلى الجلسة الأولى بأكثر من مرشح لرئاسة البرلمان، مؤكداً أن ذلك لا يعني بالضرورة غياب الإجماع، بقدر ما يعكس اختلافاً في وجهات النظر داخل المكون الواحد. ويرجّح في الوقت نفسه إمكانية انتخاب رئيس للبرلمان في الجلسة الأولى، لكنه يشير إلى أن عدم حسم بقية الاستحقاقات قد يجعل سيناريو «الجلسة المفتوحة» هو الأقرب.
ويخلص الشمري إلى أن تجاوز المدد الدستورية في ما يتعلق بعقد الجلسة الأولى لا يترتب عليه أثر دستوري مباشر، إلا أن عدم انتخاب رئيس للبرلمان قد يفتح الباب أمام أزمة سياسية كبيرة. وفي هذه الحالة، قد تلجأ بعض القوى السنية إلى عقد تفاهمات وصفقات مع قوى أخرى، لكن دون أن يخلخل البنية التقليدية للتحالفات السياسية، وهو سيناريو يظل وارداً، وإن كان محفوفاً بالمخاطر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

الجلسة الأولى للبرلمان: الرئاسة والنائب الأول في قلب الخلاف

الجلسة الأولى للبرلمان: الرئاسة والنائب الأول في قلب الخلاف

بغداد/ تميم الحسن تتجه البلاد – على الأرجح – نحو جلسة برلمانية في نهاية الشهر الحالي من دون حسم أيٍّ من الرئاسات الثلاث، في مشهد يعيد إلى الأذهان انسداد عام 2022 حين دخلت العملية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram