TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > الشتات الأيزيدي: دور الجاليات في دعم المجتمعات المتضررة داخل العراق

الشتات الأيزيدي: دور الجاليات في دعم المجتمعات المتضررة داخل العراق

نشر في: 21 ديسمبر, 2025: 12:09 ص

بغداد / سيزر جارو
لم يعد الشتات الأيزيدي مجرد نتيجة جانبية لمأساة عام 2014، بل تحوّل مع مرور السنوات إلى أحد أهم الفاعلين في المشهد الأيزيدي العام، إنسانياً وسياسياً. جاليات واسعة موزعة بين ألمانيا والسويد وهولندا وكندا وأستراليا، لم تكتفِ بإدارة الذاكرة الجماعية للإبادة، بل سعت إلى تحويل الغربة إلى أداة دعم وضغط، في محاولة لترميم ما تكسّر داخل العراق، وفتح مسارات جديدة للتمثيل السياسي.
منذ الأيام الأولى للنزوح، لعب الشتات دوراً محورياً في دعم العائلات الأيزيدية التي وجدت نفسها محاصرة في مخيمات دهوك ومحيطها. تحويلات مالية، حملات تبرع، تأسيس منظمات مجتمع مدني، وتمويل برامج تعليم ودعم نفسي، كلها شكّلت شبكة أمان جزئية في ظل تراجع دور الدولة والمنظمات الدولية.
يقول خدر شمو، ناشط مدني مقيم في ألمانيا، في حديثه لـ(المدى): «الشتات لم ينشأ كخيار، بل كضرورة قاسية. ومع ذلك حاولنا أن نحوّل هذا الاضطرار إلى قوة. دعمنا المخيمات، وساعدنا في تعليم الأطفال، واشتغلنا على ملف الناجيات، لكننا أدركنا لاحقاً أن العمل الإنساني وحده لا يكفي». ويضيف: «من دون تمثيل سياسي حقيقي، ستبقى كل هذه الجهود مؤقتة».
داخل المخيمات، ما زال عشرات الآلاف من الأيزيديين يعيشون واقعاً هشاً، بين بطالة، انعدام أفق، وتآكل الأمل بالعودة. هنا لعب الشتات دوراً مهماً في تمويل مدارس مؤقتة، ودورات مهنية للشباب، وبرامج علاج نفسي، خصوصاً للنساء الناجيات من السبي. إلا أن هذه المبادرات، على أهميتها، لم تنجح في كسر الحلقة المغلقة للنزوح.
توضح نادية خليل، باحثة اجتماعية من سنجار، لـ(المدى): «الدعم القادم من الشتات كان حاسماً في منع الانهيار الكامل داخل المخيمات، لكنه بقي إسعافياً. المشكلة الحقيقية هي أن المخيم تحوّل إلى مكان إقامة طويلة، والجيل الجديد يكبر بعيداً عن سنجار». وتشير إلى أن استمرار هذا الوضع يهدد النسيج الاجتماعي والهوية الأيزيدية على المدى البعيد.
أما ملف العودة إلى سنجار، فيبقى العقدة الأشد تعقيداً. دمار واسع، بطء في الإعمار، تعدد القوى المسلحة، وتداخل الصلاحيات بين بغداد وأربيل، كلها عوامل جعلت العودة محفوفة بالمخاطر. في هذا السياق، حاولت الجاليات الأيزيدية في الخارج أن تلعب دوراً مضاعفاً: دعم مشاريع إعادة إعمار محدودة من جهة، والضغط السياسي والإعلامي من جهة أخرى.
هذا الضغط بلغ ذروته في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حيث برز دور الشتات الأيزيدي بشكل واضح في دعم تحالف القضية الأيزيدية، الذي استطاع تحقيق فوز انتخابي اعتبره كثيرون تحولاً نوعياً في تاريخ التمثيل السياسي للأيزيديين.
يقول حسن علي، عضو المؤسسة الأيزيدية في هولندا، لـ(المدى): «للمرة الأولى شعرنا أن هناك فرصة حقيقية للخروج من إطار مقعد الكوتا الرمزي. الجاليات في الخارج لعبت دوراً أساسياً في دعم تحالف القضية الأيزيدية، عبر الحملات الإعلامية، وتنظيم الخطاب، وتشجيع المشاركة الانتخابية داخل المخيمات وسنجار». ويضيف أن الكثير من العائلات في الداخل تأثرت بنداءات أقاربها في الخارج، «الذين رأوا في هذا التحالف صوتاً مستقلاً يمكن أن ينقل مطالبهم إلى بغداد».
دعم الشتات لم يقتصر على الجانب المعنوي، بل شمل أيضاً توفير موارد تنظيمية، وإدارة حملات تواصل رقمي، وربط التحالف بشبكات تضامن دولية، ما ساعده على الظهور ككيان سياسي يعبر عن «قضية» لا عن مصالح فردية. هذا الحراك أسهم في رفع نسبة التصويت بين الأيزيديين، خصوصاً في المخيمات، حيث طغى الإحساس بأن المشاركة هذه المرة قد تُحدث فرقاً.
مع ذلك، لا يخلو المشهد من توتر مكتوم بين الداخل والشتات. بعض النازحين يرون أن أبناء المهجر يعيشون استقراراً بعيداً عن معاناتهم اليومية، فيما يشعر كثير من أبناء الخارج أن قرارات مصيرية تُتخذ من دون إشراكهم، رغم دورهم المالي والسياسي. هذا التباين يضع تحدياً إضافياً أمام أي مشروع سياسي أيزيدي جامع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

مقالات ذات صلة

بتدخل واشنطن: ثاني تراجع للفصائل بعد «قانون الحشد»

بتدخل واشنطن: ثاني تراجع للفصائل بعد «قانون الحشد»

بغداد/ تميم الحسن في تحوّل لافت هو الثاني من نوعه خلال أشهر، أبدت فصائل مسلّحة مرونة إزاء مطالب أميركية، بعد أن تراجعت سابقاً عن تمرير قانون «الحشد الشعبي». وخلال الأيام الماضية، صدرت عن عدد...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram