TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > عبء على العائلات... لماذا تحولت الدروس الخصوصية إلى ضرورة؟

عبء على العائلات... لماذا تحولت الدروس الخصوصية إلى ضرورة؟

نشر في: 29 ديسمبر, 2025: 12:38 ص

 بغداد/تبارك عبد المجيد

 

في مشهد يتكرر مع كل عام دراسي، تتسع رقعة المعاهد والدروس الخصوصية، لتغدو جزءاً موازيًا من حياة الطلبة التعليمية، وعبئًا إضافيًا على العائلات. ظاهرة لا تنفصل عن الاكتظاظ، وضيق الوقت المدرسي، وقلق الامتحانات، ولا عن شعور متزايد بأن المدرسة لم تعد قادرة وحدها على تلبية حاجات الطلبة التعليمية.

 

ضعف "التعليم"!
ترى هناء جبار رشيد، وهي تربوية، أن "الانتشار الواسع للمعاهد والدروس الخصوصية لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة مباشرة لمخرجات عملية تعليمية تعاني من الضعف. فالمشكلة، بحسب رأيها، لا تكمن في وجود هذه المعاهد بحد ذاته، وإنما في الأسباب العميقة التي أدّت إلى ظهورها وتكاثرها، وفي مقدمتها سياسة الدولة ممثلة بوزارة التربية وطريقة إدارتها لقطاع التعليم".
وتوضح جبار لـ"المدى"، أن "الطالب لم يعد يحصل على استحقاقه الكامل من التعليم داخل المدرسة الحكومية، والسبب الرئيس هو الاكتظاظ الكبير في الصفوف الدراسية، حيث يصل عدد الطلبة في بعض الصفوف ٧٠، فيما يتجاوز عدد طلبة بعض المدارس الألف طالب. في مثل هذه الظروف، يصبح من الصعب على المعلم إيصال المادة العلمية بالشكل المطلوب، إذ لا يستطيع خلال الحصة الواحدة التفاعل إلا مع عدد محدود من الطلبة، بينما يبقى الباقون خارج دائرة المشاركة والفهم الحقيقي".
وتؤكد أن هذه الإشكاليات لا تعود إلى تقصير المعلم، بل على العكس، فالمعلم يؤدي واجبه فوق طاقته رغم قلة الإمكانات وضعف البنى التحتية وسوء الخدمات. غير أن كثرة المعوقات تحرم الطالب من حقه في بيئة تعليمية صحية وإيجابية، وهي البيئة التي تمكّنه من الفهم والاستيعاب. يضاف إلى ذلك قِصر زمن الحصة الدراسية، وكثرة العطل، وصعوبة المناهج، ما يدفع الطالب وأسرته إلى البحث عن بدائل خارج المدرسة لتعويض هذا النقص.
وتشير جبار إلى أن المعاهد والدروس الخصوصية تمثل عبئًا اقتصاديًا كبيرًا على العائلات، ولا سيما في المراحل المنتهية مثل الثالث المتوسط والسادس الابتدائي والسادس الإعدادي، حيث تتحول إلى أزمة حقيقية تفوق قدرة الكثير من أولياء الأمور. ومع ذلك، يجد الأهالي أنفسهم مضطرين للجوء إليها بسبب ضعف التدريس وصعوبة المناهج وعدم حصول أبنائهم على حقهم داخل المدرسة.
ورغم الآثار السلبية لهذه الظاهرة، تعترف جبار بوجود جانب إيجابي لها، إذ تسهم في رفع المستوى العلمي لبعض الطلبة، ومساعدتهم على تجاوز حالات الرسوب المتكرر، وإنقاذهم من ضياع سنة دراسية أو أكثر. فالدروس الخصوصية والمعاهد قد تكون وسيلة داعمة تعوّض قصور المدرسة، وتساعد الطالب على الانتقال من حالة الضعف إلى التحسن والنجاح.
لكنها تشدد في الوقت ذاته على أن الحل الحقيقي لا يكمن في تشجيع هذه الظاهرة، بل في معالجة جذور المشكلة، من خلال تقليل أعداد الطلبة في الصفوف، وبناء مدارس جديدة، وزيادة عدد الصفوف، وسد النقص في الكوادر التعليمية، وتحسين البنى التحتية، وتوفير مستلزمات التعليم الحديثة. فحين تتوافر مدرسة قادرة على أداء دورها بشكل صحيح، لن تكون هناك حاجة للمعاهد والدروس الخصوصية.
كما تتطرق جبار إلى جانب آخر من الظواهر السلبية المرتبطة بالدروس الخصوصية، يتمثل في قيام بعض المعلمين بتشجيع طلبتهم على الالتحاق بدروس خاصة لديهم، وهو أمر مخالف للقوانين والتعليمات الصادرة عن وزارة التربية. وتؤكد أن هذا السلوك غير قانوني وغير أخلاقي، وأنها تقف ضده بشكل قاطع. وترى أن مساعدة الطلبة يجب أن تكون من خلال دروس إضافية داخل المدرسة، أو حصص مراجعة قبل الامتحانات، وليس عبر استغلالهم ماديًا.
وتتابع جبار حديثها بالتأكيد على أن ضعف البيئة المدرسية، والاكتظاظ، وقلة الإمكانات، وعدم مواكبة التطور التربوي، كلها عوامل تؤدي في النهاية إلى تراجع المستوى العلمي للطالب، وإلى إنهاك المعلم إداريًا وتربويًا، ما يستدعي وقفة جادة لإصلاح مسار التعليم من جذوره، وعلى رأس ذلك إصلاح سياسات وزارة التربية باعتبارها المسؤول الأول عن هذا القطاع الحيوي.
وفي هذا السياق، يروي أبو اجوان، وهو والد طالبتين، تجربته مع المعاهد الخصوصية، موضحًا أنه اضطر إلى تسجيل بناته في معهدين خاصين بسبب اعتماد مدرستهن نظام الدوام الثلاثي. ويقول إن هذا النظام لا يتيح وقتًا كافيًا للشرح والمتابعة، كما أن مستوى التعليم فيه لا يحقق الطموح الذي يسعى إليه لأبنائه. ويضيف: "أنا مو ضد المدرسة الحكومية، لكن الدوام الثلاثي خلّى الدراسة سريعة وماكو تركيز، فاضطرت أدخل بناتي معاهد حتى أضمن لهم دراسة أفضل ومستوى أحسن".
ويشير لـ"المدى"، إلى أن هذا الخيار، رغم ضرورته من وجهة نظره، يشكل عبئًا ماليًا كبيرًا على الأسرة، إذ تتطلب المعاهد مبالغ شهرية تفوق قدرته في بعض الأحيان، لكنه يجد نفسه مضطرًا لتحملها خوفًا من تراجع المستوى الدراسي لبناته وضياع مستقبلهن التعليمي.
تقول زينب حسين، وهي خريجة قسم القانون وتعمل حاليًا في التدريس بأحد المعاهد الخصوصية في منطقة قريبة من سكنها، إن لجوءها إلى هذا العمل جاء نتيجة غياب الفرص الوظيفية وحاجتها إلى مصدر دخل، موضحة أن المعاهد أصبحت بالنسبة للعديد من الخريجين خيارًا اضطراريًا أكثر من كونه مهنة مخططًا لها. وتضيف أن هذه التجربة، رغم صعوبتها، كشفت لها جانبًا واسعًا من الإشكاليات المرتبطة بواقع التعليم في العراق.
وتوضح زينب أن شريحة كبيرة من الطلبة الذين يرتادون المعاهد الخصوصية لا يفعلون ذلك دائمًا بدافع الحاجة التعليمية الفعلية، بل لأن المعهد تحوّل مع الوقت إلى عادة اجتماعية وتعليمية راسخة، حيث بات كثير من الأهالي والطلبة يعتقدون أن النجاح لا يتحقق إلا عبر الدروس الخصوصية، حتى لو كان الطالب قادرًا على الاستيعاب داخل المدرسة. وتشير إلى أن بعض الطلبة يأتون إلى المعهد وهم مقتنعون مسبقًا بأن الدراسة المدرسية وحدها غير كافية، بغض النظر عن مستواهم الحقيقي.
وتلفت إلى أن هناك طلبة يلتحقون بالمعاهد تحت ضغط مباشر أو غير مباشر، نتيجة تلميحات أو تهديدات مبطنة بالرسوب من قبل بعض المدرسين في المدارس الحكومية في حال عدم الالتحاق بالدروس الخصوصية لديهم، مؤكدة أن هذه الممارسات موجودة وإن لم تُعلن بشكل صريح، وتسهم في خلق حالة من الخوف لدى الطلبة وأولياء أمورهم، وتجعلهم يشعرون بأن المعهد خيارًا إجباريًا لا مفر منه.

غياب العدالة!
أما المدرسة حنين رضا، فتقول، إن انتشار الدروس الخصوصية والمعاهد لا يمكن فهمه فقط بوصفه نتيجة ضعف التحصيل الدراسي، بل بوصفه انعكاسًا لاختلال أعمق في التعليم. وتوضح أن المدرسة فقدت تدريجيًا دورها التربوي المتكامل، وتحولت لدى كثير من الطلبة إلى مكان لتأدية الواجب الرسمي فقط، فيما أصبح التعلم الحقيقي يُبحث عنه خارج أسوارها.
وتشير رضا إلى أن الضغط الكبير المرتبط بالامتحانات الوزارية أسهم في تغذية هذه الظاهرة، إذ بات التركيز منصبًا على الحفظ واجتياز الامتحان أكثر من الفهم وبناء المهارات، ما يدفع الطلبة وأسرهم إلى اللجوء للمعاهد التي تروّج لقدرتها على "التكتيك الامتحاني" وضمان الدرجات. وترى أن هذا النمط أضعف دافعية الطالب للتعلم داخل الصف، وحوّل العلاقة مع المادة الدراسية إلى علاقة خوف وقلق.
وتلفت إلى أن المعلم داخل المدرسة غالبًا ما يكون مقيدًا بتعليمات إدارية، وكثرة الواجبات الورقية، وضيق الوقت، ما يحد من قدرته على الابتكار أو مراعاة الفروق الفردية بين الطلبة، في حين تمنح المعاهد هامشًا أوسع للتركيز على الطالب بوصفه رقمًا امتحانيًا لا مشروعًا تعليميًا متكاملاً، وهو ما يفسر إقبال بعض الطلبة عليها.
وتؤكد حنين أن أخطر ما في الظاهرة هو تكريس عدم العدالة التعليمية، حيث يحصل الطلبة القادرون ماديًا على فرص إضافية للنجاح، بينما يُترك غير القادرين في موقع أضعف، ما يوسع الفجوة داخل الصف الواحد. وتشدد على أن إصلاح التعليم لا يبدأ بمحاربة المعاهد، بل بإعادة الاعتبار للمدرسة الحكومية، وتخفيف مركزية الامتحان، وتطوير المناهج وطرائق التدريس، وتمكين المعلم من أداء دوره التربوي بعيدًا عن الضغوط الإدارية والكمية

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

مقالات ذات صلة

توقعات بحسم هيئة رئاسة البرلمان قبل ساعات من جلسة الافتتاح

توقعات بحسم هيئة رئاسة البرلمان قبل ساعات من جلسة الافتتاح

بغداد/ تميم الحسن قبل ساعات من انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد، ما تزال خيوط التفاهمات السياسية غير مكتملة، وسط توقعات بحسم جزئي لمناصب «الرئاسات الثلاث» في اللحظات الأخيرة التي تسبق افتتاح الجلسة. ووفق المعطيات...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram