الانبار/ محمد علي
تواجه محافظة الأنبار أزمة مياه متفاقمة، بعد خروج أكثر من 50 محطة عن الخدمة، جراء انخفاض مناسيب نهر الفرات وارتفاع مستويات التلوث فيه، وقد دفع هذا الوضع آلاف المواطنين إلى الاعتماد على الصهاريج المتنقلة (الحوضيات)، لتستمر معاناة الأهالي صيفاً وشتاءً، وسط مخاوف متزايدة من تفشي الأمراض وتدهور الواقع الصحي والبيئي في المحافظة.
ويقول المختص بالشأن البيئي، صميم سلام، خلال حديث لـ (المدى) إنه "لا يمكن الاستفادة من السيول في ظل الوضع الحالي للخزين المائي، إذ يمر العراق في هذه الفترة بأعلى درجات الاضطراب والانخفاض في الخزين، نتيجة تراجع جريان الأنهار، ولا سيما انخفاض منسوب نهر الفرات إلى مستويات خطرة، أدى هذا الانخفاض إلى خروج أكثر من 55 محطة مياه عن الخدمة".
ويضيف أن "السبب الرئيس للأزمة هو عدم حصول العراق على حصته المائية الكاملة وفق الاتفاقات الدولية، إلى جانب سنوات طويلة من الاستنزاف المائي، وقلة الأمطار، وغياب مواسم غيث كافية لتعويض الخزين"، مشيراً إلى أن "معالجة هذه المشكلة تتطلب إجراءات تقنية عاجلة، من بينها إطالة أعمدة سحب المياه من الأنهار، إضافة إلى تبحير مناطق حول مآخذ المياه والمضخات لضمان وصول المياه إليها". ويؤكد أن "العراق انتقل خلال السنوات الماضية من حالة الوفرة المائية إلى الشحة، ثم الندرة، وصولاً إلى مستويات حرجة جداً حالياً، بسبب الطلب المتزايد على المياه، إضافة إلى المخاطر البيئية التي تهدد الأنهار"، مشدداً على أنه "لا بد من حلول جذرية لتفادي تكرار الأزمة، أولها تحرك حكومي جاد مع الجانب التركي لضمان حصة العراق المائية". ويشير سلام إلى أن "السيول تعد مورداً مهماً، خاصة في أودية مثل وادي حوران ووادي القصير والبيض، ما يتطلب إنشاء سدات وحواجز لحصاد المياه، لما لها من دور في خلق بيئة طبيعية داعمة للحياة البرية، ودعم الغطاء النباتي والزراعة، وتغذية المياه الجوفية، واعتماد إدارة رشيدة للمياه، وإطلاق حملات لإزالة التجاوزات على الحصص المائية، سواء من قبل المكاتب الاقتصادية أو الجهات المتنفذة، إضافة إلى تنظيم بحيرات الأسماك". ويختم حديثه بالقول: "يجب التحول إلى أساليب الري الحديثة، وفصل مياه السقي عن مياه الشرب، واعتماد أنظمة الري المغلق، مثل الري بالأنابيب والمرشات المحورية، لضمان الاستخدام الأمثل للمياه وتقليل الهدر والتبخر". من جهته يرى الناشط المدني، حسنين علاء، خلال حديث لـ (المدى) أن "أزمة المياه في محافظة الأنبار لم تعد مرتبطة بقلة الأمطار فقط، بل بسوء الإدارة وغياب التخطيط طويل الأمد"، مشيراً إلى أن "المحافظة تمتلك موارد طبيعية مهمة مثل السيول والأودية، لكن لا توجد مشاريع حقيقية لحصر المياه أو الاستفادة منها، ما يجعلنا نخسر كميات كبيرة من المياه كل عام".
ويؤكد أن "محافظة الأنبار تشهد اليوم خروج عشرات محطات المياه عن الخدمة بسبب انخفاض مناسيب نهر الفرات، في ظل غياب الحلول التقنية السريعة والدائمة، كتعميق نقاط السحب أو إنشاء خزانات وخطط طوارئ، الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين". ويبين أن "ملف المياه يدار بعقلية مؤقتة، بينما المطلوب هو سياسة مائية واضحة، تبدأ بحماية الحصة المائية للعراق، وتمنع التجاوزات، وتعتمد أساليب ري حديثة تقلل الهدر وتضمن استدامة المياه للأجيال المقبلة". إلى ذلك يقول المواطن، جمال الفهداوي، خلال حديث لـ (المدى) إن "أكثر محطات المياه توقفت عن العمل بسبب انخفاض مستوى المياه في نهر الفرات، إذ لم نتمكن من الاستفادة من مياه الأمطار والسيول الكبيرة، فيما يشهد وضع المياه تدهوراً مستمراً صيفاً وشتاءً". ويضيف أن "نهر الفرات ملوث بمخلفات الصرف الصحي ومجاري المدينة ومخلفات مستشفى الولادة، ما يجعل المياه غير صالحة للاستهلاك البشري". ويؤكد الفهداوي "هذا التلوث تسبب بانتشار الأمراض بين المواطنين، واضطرار الأهالي إلى شراء المياه عبر الحوضيات المتنقلة، وسط غياب الحلول والمعالجات الحقيقية". وبحسب وزارة الموارد المائية، فإن العراق يعيش أدنى مخزون مائي في تاريخه، إذ لا يتسلم سوى 35% من حصته المفترضة من مياه دجلة والفرات. سجل العراق انخفاضاً تاريخياً غير مسبوق في السدود والخزانات، حيث تراجعت الكميات من 10 مليارات متر مكعب في نهاية مايو/ أيار إلى أقل من 8 مليارات متر مكعب حالياً، وهو ما يمثل عجزاً حاداً يهبط بالمخزون إلى ما دون 8% من السعة الإجمالية للبلاد.










