بغداد/ تميم الحسن
تشير ترجيحات سياسية إلى أن إسرائيل قد تنتظر أياماً قليلة قبل تنفيذ ضربات محتملة داخل العراق.
وبحسب مصادر سياسية، فإن الخط الفاصل بين «تفادي الهجوم» أو التعرض له يتمثل في شكل الحكومة الجديدة، ولا سيما حجم مشاركة الفصائل المسلحة القريبة من إيران.
وتداولت الأوساط السياسية معلومات عن أن أي قرار بمنح تلك الفصائل مواقع مؤثرة داخل السلطة التنفيذية قد يدفع باتجاه «رد إسرائيلي» قريب.
وللمرة الأولى، أقرت بغداد رسمياً بتلقيها تهديدات إسرائيلية غير مباشرة، في تحول لافت عن موقف سابق لجهاز المخابرات العراقي كان قد نفى، قبل أيام فقط، وجود أي تحذيرات من هذا النوع.
وقال رئيس الوزراء المنتهية ولايته محمد شياع السوداني، في مقابلة تلفزيونية، إن العراق تلقى «تهديدات إسرائيلية» وصلت عبر «طرف ثالث»، مؤكداً أن هذه الرسائل «مستمرة».
وأضاف أن حكومته تتعامل مع الملف «بحذر بالغ»، بهدف منع انزلاق البلاد إلى التصعيد أو تحويلها إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، من دون أن يكشف عن الجهة الناقلة للرسائل أو طبيعتها.
وكان جهاز المخابرات العراقي قد نفى، الأسبوع الماضي، تلقي الحكومة أي تحذيرات من دولة عربية أو جهاز استخباري غربي بشأن ضربة عسكرية وشيكة، وهو ما يسلط الضوء على التباين داخل مؤسسات الدولة في التعامل مع مؤشرات التصعيد المتسارعة.
ويأتي إقرار السوداني الأخير في وقت تتزايد فيه التقديرات بأن إسرائيل تقترب من الحصول على ضوء أخضر أميركي لتنفيذ عمليات عسكرية جديدة في المنطقة، قد تشمل لبنان وإيران، في إطار ما يصفه محللون باستمرار الجهود الأميركية–الإسرائيلية لـ«قطع أذرع إيران» في الشرق الأوسط، بما في ذلك الساحة العراقية.
وكانت السفارة الأميركية في بغداد قد أكدت، في تصريحات سابقة خاصة لـ» المدى»، أن واشنطن سترد «بما يحفظ أمنها ومصالحها» إذا لم تُبعد الفصائل المسلحة عن تشكيل الحكومة العراقية المقبلة.
وفي محاولة لاحتواء الضغوط الأميركية، سعى «الإطار التنسيقي» خلال مفاوضاته الأخيرة إلى إبعاد الفصائل عن المواقع الحكومية التنفيذية، مع طرح منحها مناصب أخرى، من بينها موقع النائب الأول لرئيس البرلمان، في مسعى لتخفيف حدة الاعتراض الأميركي.
غير أن الفصائل، وفق مصادر سياسية، تواصل الضغط على «الإطار التنسيقي» للمشاركة المباشرة في الحكومة، والمطالبة بحقائب سيادية وخدمية، من بينها وزارات المالية والنقل والتعليم. وتشير التقديرات إلى أن نحو ست مجموعات مسلحة، تمتلك قرابة 50 مقعداً من أصل أكثر من 80 تعود لمجموع الفصائل، انضمت إلى صفوف «الإطار» لضمان إعلان «الكتلة الأكبر».
وفي موازاة ذلك، عادت واشنطن خلال الأسابيع الماضية إلى تشديد أدوات الضغط، بإعادة إدراج شخصيات وفصائل عراقية على لوائح العقوبات. وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية، تجديد إدراج أمين عام «حركة بابليون» ريان الكلداني، القريب من «الإطار التنسيقي» على قائمة العقوبات الدائمة.
وتشمل هذه القائمة أفراداً وكيانات متهمة بـ«انتهاكات حقوق الإنسان، الفساد، الإرهاب، والتخادم مع إيران»، وفق البيان الأميركي. وبموجب القرار، تُجمّد جميع أصول الكلداني الواقعة تحت الولاية الأميركية، ويُحظر أي تعامل مالي معه، كما يُجرّم تقديم أي دعم مادي مباشر أو غير مباشر له.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد فرضت عقوبات على ريان الكلداني للمرة الأولى عام 2019، على خلفية ما وصفته بـ«انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان».
الفصائل هدف استباقي لمنع الرد
قال غازي فيصل، الدبلوماسي السابق ورئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، إن إسرائيل تصعّد من لهجة تهديداتها بتوجيه ضربات عسكرية جديدة في المنطقة، في إطار استراتيجية تهدف إلى «تصفية وتفكيك» مصادر التهديد التي ترى أنها تمس أمنها القومي.
وأوضح فيصل لـ»المدى» أن التركيز الإسرائيلي ينصب حالياً على حزب الله في لبنان، بهدف تحييد قدراته الصاروخية والعسكرية، إلى جانب الاستمرار في تفكيك حركتي «حماس» عسكرياً وتنظيمياً، ودفع غزة إلى واقع «بلا حماس»، بالتوازي مع الضغط على جماعة الحوثي في اليمن.
وفي هذا السياق، أشار فيصل إلى أن الفصائل المسلحة في العراق، ولا سيما المصنّفة «إرهابية» من قبل المؤسسات الأميركية، باتت ضمن بنك الأهداف المحتمل، خصوصاً تلك التي شاركت في العمليات العسكرية بعد « 7 أكتوبر».
ورجّح فيصل أن تحمل الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن ملفات استخبارية «حساسة»، تتعلق بتطور المنظومات الصاروخية الإيرانية، ولا سيما الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، التي يقول إنها تشكل تهديداً للأمن الإقليمي، وقد تصل مدياتها إلى دول أوروبية.
وبحسب فيصل، تسعى إسرائيل من خلال هذه الزيارة إلى الحصول على «ضوء أخضر» من الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتنفيذ ضربات تستهدف القدرات العسكرية الإيرانية، بما في ذلك منظومات الصواريخ والطائرات المسيّرة، وربما بعض المختبرات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني.
وأضاف أن أي موافقة أميركية محتملة ستُستتبع، على الأرجح، بضربات موجهة ضد الفصائل المسلحة في العراق، في محاولة استباقية لمنع أي رد فعل منها على الهجمات الإسرائيلية المحتملة ضد مواقع استراتيجية داخل إيران.
بغداد تحاول كبح التصعيد
وفي محاولة لتفادي تصاعد المواجهة العسكرية في المنطقة، تسعى بغداد إلى استئناف المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن الملف النووي، وذلك بحسب ما ورد في المقابلة الأخيرة لرئيس الوزراء المنتهية ولايته محمد شياع السوداني.
وعن هذا الدور يعتبر فيصل أن من حق رئيس الوزراء طرح أفكار ومبادرات للوساطة، مستنداً إلى علاقات بغداد المتوازنة نسبياً مع واشنطن، والتي تعززت بعد لقاء السوداني مع ترامب على هامش مؤتمر شرم الشيخ، فضلاً عن استمرار قنوات التواصل مع طهران رغم تعقيدات المشهد الإقليمي.
غير أن فيصل رأى أن فرص نجاح أي وساطة عراقية تبقى محدودة، مشيراً إلى أن المفاوضات الأميركية–الإيرانية اصطدمت بجذور الخلاف ذاتها. ولفت إلى فشل خمس جولات تفاوضية سابقة في مسقط، برعاية وزير الخارجية العماني، بسبب تمسك واشنطن بشروطها المتعلقة بتفكيك «أسلحة الدمار الشامل»، والبرنامج النووي، ووقف تخصيب اليورانيوم، وهي شروط قال إنها لم تتغير منذ الرسالة الأولى التي بعث بها ترامب.
وأكد أن إيران، في المقابل، لم تُبدِ أي استعداد لتغيير موقفها، معتبرة أن التخصيب والبرنامج النووي «حقوق سيادية». وخلص إلى أن هذا الجمود المتبادل يجعل من الصعب عودة طهران إلى طاولة التفاوض، مضيفاً أنه «إذا لم تستطع بغداد أن تلعب دوراً في تغيير شروط الطرفين، فلن يكون بالإمكان الذهاب إلى مفاوضات جديدة»
وختم فيصل بالقول إن نجاح أي مفاوضات مستقبلية يتطلب «تنازلات حقيقية» من طهران، بعيداً عن الخطاب التصعيدي والتهديد بالقوة، مشيراً إلى أن الواقع الإقليمي بعد « 7 أكتوبر» يختلف جذرياً عما كان قبله، في ظل استمرار التهديدات الإسرائيلية، وانكشاف الأجواء الإيرانية أمام القدرات الأميركية والإسرائيلية، ومحدودية قدرة طهران على الرد، كما أظهرت المواجهات الأخيرة.










