كِلْبتوقراطية!
سياسيونا بلا ذاكرة، ينسون مواقفهم سريعاً حينما يتعلق الأمر بالدفاع عن موضع أقدامهم على الأرض، أو موضع أعضاء أخرى لهم على الكرسيّ، يقفزون من موقف لآخر ومن رؤية لنقيضها، يغيّرون وجهاتهم لكنْ طبعاً دون تغيير أهدافهم التي تتلخص أولاً وآخراً، بدءاً ومنتهى بالمال.
هذا لأنهم سياسيو مال، وكما أن الرأسمال لا وطن له، فصاحب الرأسمال كذلك، لا وطن ولا انتماء ولا هوية ولا موقف، بل أن مفاهيم سامية كالشرف والعفة تفرغ من محتواها وتمتلئ بمحتوى آخر جديد جوهره المال.
السياسيّ العراقي داخل إلى اللعبة السياسية لينهب بتطويع القانون تارة، وبصفقات مشبوهة تارة أخرى، وباستخدام مقدرات الدولة دائماً وأبداً، فكلّ شيء لديه قابل للاستثمار ما دام الأمر متعلقاً بالفلوس.
الوطنية والدين والمذهب وكل المقدسات، مجرد إكسسوارات، إعدادات ثانوية وهامشية، إنها عدّة النصب والاحتيال في هذه اللعبة التي خلقتْ لساستنا نعيمهم الذي يحيون فيه ساخرين من الناس وضاحكين على جمهورهم المشدود إليهم بعون من رمزية أصبحتْ مضحكة تربط هؤلاء الأباطرة بالمذهب وبهيئة المتديّن من لحية وسبحة وختم أسود على الجبين وبكاء على الأئمة وسمت يشبه سمت الصالحين ولقلقة لسان بآيات وأحاديث وسيرة أنبياء وأنقياء.
كلّ تلك الأمور على قداستها لدى العامة لا تساوي لدى ساسة العراق شروى نقير إلا باعتبارها وسيلة لاستجلاب الفلوس، غير ان الناس بقدر ما يتعلق الأمر بالرمز يساوون بينه وبين من ينتحل هذا الرمز.
فتشت كثيراً عن مصطلح يمكن أن يكون وصفاً دقيقاً لنمط الحكم الذي يمارسه الساسة اللصوص عندنا، فلم أجد، فلا هو بالديمقراطي على وجه ولا بالديكتاتوري تماماً ولا هو ثيوقراطيّ، ليس إسلامياً ولا علمانياً، إنه حكم أصحاب المال النهابين، فهل هناك اسم يوجز حكم مجموعة لصوص يحتقرون شعبهم ويعيشون في عزلة عنهم غير آبهين لهم، تعبت كثيراً، غير أن صديقي الأستاذ بشار سكر المقيم في هولندا أسعفني بمصطلح يوناني قديم هو الأقرب لوصف هؤلاء الأباطرة.
المصطلح هو (الكلِبتوقراطية وهو يعني نظام حكم اللصوص. ويشير إلى نمط الحكم الذي يراكم الثروة الشخصية والسلطة السياسية للمسؤولين الحكوميين والقلة الحاكمة، وذلك على حساب الجماعة، وأحياناً دون حتى ادعاءات السعي إلى خدمتهم. واللفظ مركب من مقطعين يونانيين؛ أولهما "كلبتو" (Κλεπτο) بمعنى لص، وثانيهما "قراط" (κρατ) بمعنى حُكم.) "ما بين القوسين الكبيرين مأخوذ نصاً من موقع ويكيبيديا".
الآن ارتحت. أخيراً وجدت لهؤلاء الذين يحكموننا اسماً يجمعهم، لكني لا أعتقد أن التأريخ شهد مصداقاً لهذا الاصطلاح كما شهدناه في العراق، بدليل ان أكبر سرقة حدثت في التأريخ منذ الانفجار الكوني العظيم "Big Bang" وحتى اليوم هي السرقة التي قام بها سياسيونا منذ 2003، أكثر من نصف تريليون دولار ضاعتْ بين هؤلاء الحرامية دون أن يحاسبهم عليها أحد ودون أن ينتبه الشعب النائم على قداسة رموزه الوثيرة إلى حجم المصيبة التي هم فيها وإلى مقدار ما سرق منهم، وما ضاع من مستقبلهم ومستقبل أبنائهم جيلاً بعد جيل.
ماذا فعلتم بالعراق يا كِلبتوقراطيين يا أولاد الكلبتوقراطيين؟
عمودقرطاس عدد(2617)
[post-views]
نشر في: 9 أكتوبر, 2012: 06:06 م