قانون سياق اللاعودة
قبل أكثر من عشر سنوات وتحديدا في نهاية عام 2000 كنت قد انتهيت من كتابة رسالة الماجستير في الاقتصاد، وعادة ما تكون اللمسات النهائية هي المقدمة والخاتمة فضلا عن تقديم الشكر إلى من قدم العون للباحث وكذلك الاهداء وربما يكون الاخير هو الاصعب من بين هذه الاشياء وبعد ان فكرت في الموضوع قررت ان يكون اهدائي الى (كل من يؤمن بان قانون سياق اللاعودة يمكن ان يختفي في مكان آخر) وقصة هذا الإهداء هي انني قرأت في إحدى المجلات ان العلماء قد اكتشفوا كوكبا يسير فيه الزمن الى الخلف وهذا هو عكس ما موجود لدينا حيث نعيش ضمن ما يعرف بـ "قانون سياق اللاعودة" اي ان الزمن على الارض لايعود الى الوراء ابدا وما ان عرضت فكرة الاهداء على بعض الاصدقاء من المثقفين حتى استغربوا الامر مستبعدين ان يكون ذلك ممكن وتساءلوا كيف يمكن ان يعود الزمن الى الوراء؟!
في حينها استحضرت قصة غاليلو حين اكتشف ان الارض تدور ولم يصدقه احد حتى اعدم نتيجة اكتشافه وتيقنت أن مشكلتنا هي أننا لا نصدق إلا ما نفهم وإذا ما أردنا أن تطور علينا احترام العلم والعلماء وان لم نفهم أو نصدق ما يقولون ويبدو أن ذلك هو انعكاس للطبيعة البشرية بشكل عام ولطبيعة مستوى ثقافتنا بشكل خاص حيث أصابها ما أصابها من التراجع ففي الوقت الذي أصبح فيه رأس المال البشري أهم عوامل الإنتاج في الدول المتطورة فأن الدول النامية تهمل هذا المورد وبشكل كامل وفي مقارنة بسيطة فان النتاج العلمي من تأليف وترجمة في دولة أوربية متوسطة الحجم مثل اسبانيا نجده يعادل أربعة أضعاف المنتج العلمي للدول العربية مجتمعة وقس على ذلك.
لن آتي بجديد أن قلت بأن موضوع التخصص شيء مهم جدا واعتقد انه يمكن أن يكون سر نجاح أي إدارة سياسية إذا ما أرادت بناء اقتصاد متين ينمو بسرعة في عالم متسارع تتحكم فيه مفاتيح الاقتصاد والعراق بلد زاخر بالعقول الاقتصادية إلا أنها شبه مبعدة عن تقديم الرأي والمشورة لأصحاب القرار ونجد البعض من المسؤولين يفتون بأمور اقتصادية تحتاج إلى سنوات من الخبرة والدراسة للخوض فيها، وللتذكير فقط فان محمد مهاتير (رئيس وزراء ماليزيا الأسبق) الذي يعد صاحب انجح تجربة اقتصادية في الدول النامية خلال الربع الأخير من القرن العشرين كان طبيبا ولكنه كان يستعين بمستشارين اقتصاديين رسموا له خارطة الطريق وفي النهاية كان النجاح من حصته هو.
لقد تم تقديم العديد من المقترحات التي تهدف إلى تجسير الفجوة بين اهل السياسة عندنا وأهل الاقتصاد الا ان جل هذه المقترحات لم تكن سهلة التطبيق وأنا اود ان اقترح فكرة اخرى اعتقد أنها ستكون مهمة وسهلة التطبيق أيضا مفادها قيام اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء بمتابعة تنفيذ الإستراتيجية التنموية المقدمة من قبل وزارة التخطيط وتنسيق الجهود الوزارية في تنفيذها ويمكن أن تستعين هذه اللجنة بهيئة المستشارين في هذا الأمر أو تشكل فريق عمل خاص بالموضوع من الاقتصاديين لدينا حيث أثبتت التجربة أن تنفيذ الاستراتيجيات السابقة كان ضعيفا جدا وبالتالي علينا مضاعفة الجهود وان لا نضيع المزيد من الوقت لأنه عندما يذهب لن يعود مرة اخرى اي ان لا ننسى أننا نعيش في ظل قانون سياق اللاعودة.
عموداوراق اقتصادية عدد(2617)
[post-views]
نشر في: 9 أكتوبر, 2012: 06:35 م