الأردن .. حكومة جديدة أم نهج جديد
من المقرر طبقاً لأحكام الدستور, أن تكون حكومة الدكتور فايز الطراونه قد غادرت مكاتبها اليوم, مفسحةً المجال لحكومة جديدة, تتشارك مع الهيئة المستقلة للانتخابات, في إدارة عملية انتخابية, يؤمل أن تسفر عن برلمان قادر على إفراز حكومة برلمانية, ظلت مطلباً للحراكات الشعبية المستمرة منذ عامين, ذلك أن الدستور يقرر عدم استمرار الحكومة التي نسبت بحل المجلس النيابي, وقد قامت حكومة الطراونه بذلك, تنفيذاً لتوجيهات ملكية, تأكد أنها لم تكن راضية عن أداء أعضاء المجلس النيابي السادس عشر, وهي توجيهات تطابقت مع رغبة شعبية عارمة في التخلص من هذا المجلس, وشارك في هذه الرغبات حتى العديد من النواب, الساخطين على الأداء المتردي لمجلسهم, والمرتهن إما إلى ضغوط من خارجه, أو إلى عملية نشطة في تكريس مكاسب لأعضائه, وهم لايستحقونها وتبدو زائدة على المألوف.
بعد يومين تنتهي الفترة المتاحة للمواطنين للحصول على بطاقاتهم الانتخابية, وإذا كان تنظيم الإخوان المسلمين راهن على ضعف الإقبال على استلامها, في ظل قراره مقاطعة الانتخابات, لعدم رضاه عن قانونها الجديد, فإن الحكومة نجحت في تسجيل أكثر من مليوني ناخب استلموا بطاقاتهم, ما يعني أنها تجاوزت حالة المقاطعة, وبعثت رسالة للإخوان, مفادها أن الانتخابات استحقاق واجب النفاذ معهم أو بدونهم, غير أن المؤكد, وإن كنا نختلف مع الإخوان في نهجهم وسياساتهم, أن غيابهم سيفقد العملية الانتخابية نكهتها السياسية, وسيحد من مفاعيل العملية الإصلاحية المتدرجة, مستهدفةً الوصول إلى حكومات نيابية منتخبة, تنهي الحال الراهن, المرتبط برغبة الملك منفرداً في اختيار رئيس الحكومة وطاقمه الوزاري، ولا يعني ذلك اختيار الوزراء من أعضاء المجلس النيابي الجديد, بقدر ما يعني أنه سيكون لهؤلاء النواب رأي ودور حقيقي في اختيارهم.
يضع الأردنيون اليوم، ونتيجة لحراكهم الشعبي، أقدامهم على أول طريق التحولات الإصلاحية, في مرحلة لا تشبهها غير مرحلة العودة إلى الديمقراطية, والسماح بتشكيل الأحزاب عام 1989، وهي مرحلة أتت نتيجة "هبة نيسان", التي انطلقت من أكثر المناطق فقراً, وأسست للمرحلتين, الحالية والمقبلة, وإذا كانت نتائجها الحقيقة تأخرت, فإن تناول الثمرة ناضجة خير من قطفها قبل النضوج, وإذا كانت السلطة ممثلةً برأسها تقبل اليوم بالتنازل عن بعض امتيازاتها, فإنها تقوم بذلك نتيجةً لضغط الشارع, وليس بناءً على رغبتها, وبديهي أن تنشط قوى الشد العكسي لمنع التحولات من أن تكون جذريةً, لكن منطق الأمور يؤكد فشلها, حتى لو تمكنت بحكم تاريخيتها وتمرسها من تأخير ذلك لبعض الوقت.
سيؤشر اختيار شخصية رئيس الوزراء الجديد, على ملامح التخطيط المستقبلي لصاحب القرار, إما أن نتأكد من جديته في المضي بالعملية الإصلاحية إلى غاياتها, أو المماطلة والتسويف, بانتظار ظروف مناسبة للتخلص من المطالب الشعبية, والعودة بالأمور إلى سابق عهدها, وعندها سيكون للشارع المحتقن كلمة مختلفة النبرة والأسلوب, وهو ما لايريده أي مخلص للوطن, أو راغب في استقراره, وتنمية حالة الأمن والأمان بكل تفاصيلها التي تشمل الوضع الاقتصادي بطبيعة الحال, فالمواطن الجائع والمحتاج, وصل إلى مرحلة يستذكر فيها كل صباح القول المأثور عن أبي ذر الغفاري " عجبتُ لمن لم يجد قوتَ يومهِ كيف لا يخرجُ شاهراً سيفه ", خصوصاً وهو يرقب تراكم الثروات في يد قلة من الفاسدين.
حكومة جديدة, ليست هي المطلوب فقط, المطلوب نهج جديد في الحكم يعيد للناس كل حقوقهم.
عمود في الحدث عدد(2618)
[post-views]
نشر في: 10 أكتوبر, 2012: 07:00 م