المهمة المستحيلة
ربما طمأن أنفسهم أصحاب الحملة الإيمانية الجديدة التي تستعيد فيها حكومتنا الحالية بعض تقاليد نظام صدام حسين، بأن حملتهم قد أتت أُكُلها، فمحال بيع المشروبات الكحولية "غير المجازة" مُغلقة والمجازة تبيع بضاعتها بحذر والنوادي الاجتماعية المتوفرة فيها هذه المشروبات صارت أكثر اكتراثاً.
في الواقع الصورة مختلفة، فبعض المحال غير المجازة أعاد فتح أبوابه (بالتواطؤ – المالي– مع مسؤولين أمنيين وميليشياويين في المنطقة)، ومناطق تناول الخمور تمددت الى مساحات واسعة وكوّنت عشوائياتها هي أيضاً(أتحدث عن بغداد تحديداً)، فخرجت الظاهرة التي تريد الحكومة محاربتها من وراء الأبواب والجدران في الحانات والفنادق والنوادي الى الشوارع والحدائق .. صارت تمشي على أرجل بين الناس!
منذ أيام توقفت بي السيارة عند تقاطع طرق انتظاراً لانطلاق الإشارة الضوئية الخضراء. السائق نبّهني الى سائق السيارة التي تقف الى جوارنا .. شاب في الثلاثينات من عمره يقود سيارة من النوع رباعي الدفع ويعبّ بين ثوان وأخرى من قنينة بيرة مستوردة. في مكان آخر كان عدد من الشباب يشربون الخمرة من قنان وعلب تناثر الفارغ منها على أرضية المنطقة الخضراء التي افترشوها (ليست منطقة أمراء السلطة المتخمة بالخمور بأنواعها وبالمخدرات بأصنافها أيضاً).
باختصار فان عدد الذين يشترون الخمرة ويشربونها لم يتراجع وعدد رواد الجوامع والحسينيات لم يتزايد، والنتيجة الوحيدة للحملة "الايمانية" الجديدة هي زيادة نقمة الناس على الحكومة والنظام بأسره بعدما رأوا بأم العين عبر الفضائيات وعلى صفحات الصحف كيف تتعامل "قواتهم" الأمنية بوحشية مفرطة وبعدم لياقة وبانتهاك سافر لحقوق الانسان مع الناس الآمنين الذين ارتادوا نوادي اجتماعية مُجازة وحسنة السمعة فيما عصابات الإرهاب والجريمة المنظمة تعبث بأمن المواطنين على راحتها.
بالأسلوب نفسه الذي اتبعته حكومتنا مؤخراً حاولت مئات الحكومات في العالم عبر قرون منع بيع الخمور وتناولها ولم تفلح. ولن تفلح حكومتنا وسائر الحكومات المثيلة في القضاء على شرب الخمور وتعاطي المخدرات وممارسة البغاء. وفي أوروبا وسواها عجزت الحكومات عن تحقيق ذلك فوجدت ان من الأصوب العمل على السيطرة على هذه الظواهر الاجتماعية والحدّ من تفشيها ولكن ليس بالوسائل العنفية، وقد نجحت الى حد كبير.
معروف أن أكثر بلدين في العالم يحرّمان الخمرة والبغاء والمخدرات هما إيران والسعودية، لكنه معروف على نطاق واسع أيضاً ان الخمور تباع وتشترى – سراً - في إيران والسعودية كما لا تباع وتشترى في البلدان الأخرى، وكذا الحال بالنسبة للمخدرات والبغاء.
بدلاً من إشغال أجهزة الأمن في مهمة لن تتحقق أبداً، ضعوا خطة مختلفة تشبه ما مطبق في الدول المتقدمة، واتركوا قوات الأمن تتفرغ لمهمتها في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وضمان أمن الناس.
عمود شناشيل عدد(2618)
[post-views]
نشر في: 10 أكتوبر, 2012: 07:21 م