حمزة الجواهري
يعتبر النفط مرهونا للشركات فيما لو كان عقد الشركة امتيازا كالامتيازات القديمة والجائرة ، أو عقد مشاركة بالإنتاج ، أما إذا تم إنتاجه وطنيا وبيعه لأي جهة مؤهلة على وفق الشروط العراقية، وعلى أساس عقود بيع لكميات محدودة، فإنه لا يعتبر مرهونا بأي حال من الأحوال.
الذي دفعني للحديث حول هذا الموضوع هو كثرة الذين اعتبروا أن النفط سيرهن في حال تم التصويت بنعم على قانون البنى التحتية، ومنهم سياسيون واقتصاديون كبار!
في الحقيقة إننا حين ننتج النفط لنبيعه في الأسواق العالمية، لا لنشربه، أضف إلى ذلك أن العراق ليس لديه القدرة على تصنيعه إلا بما يسد الحاجة المحلية ، وربما ينتج أقل من الحاجة ، كما أن العراق يبيع نفطه على وفق ضوابط شديدة التعقيد والصرامة، ينخرط بها عدة جهات يشكلون لجاناً تتعامل مع الموضوع في مراحل متعددة، بدءا من تأهيل الشركات، ثم التعاقد، ومن ثم البيع بحمولات متعددة.
أما الجهات التي تنخرط ضمن هذه المجموعات فهي عديدة، مثل وزير النفط والمفتش العام في الوزارة ومدير عام سومو والرقابة المالية ووزارة المالية وحتى النزاهة، ويراقب عملها البرلمان، ومنظمة الشفافية للصناعة الاستخراجية في العراق، والمنظمة العالمية للشفافية في الصناعة الاستخراجية أيضا، ومنظمات أخرى يزيد عددها على مئة منظمة مجتمع مدني ينخرط بعملها خبراء نفط واقتصاديون وسياسيون وأعضاء في البرلمان العراقي وأكاديميون في تخصصات ذات علاقة متعددة، بحيث لا يمكن بيع قطرة نفط إلا ويتم الإفصاح عنها من قبل الوزارة، وتفصح عنها الشركات المنتجة للنفط، والشركات التي تشتري النفط، والبنك الفيدرالي الأمريكي كونه هو الذي يتسلم أثمان النفط المباع، ومن ثم صندوق تنمية العراقFDI، وأخيرا وزارة المالية كونها هي التي تتسلم العائدات النفطية للعراق، وإن عمليات المطابقة لهذه الأموال تجري شهريا وسنويا مع إقرارات رسمية تأتي من جميع الأطراف، وتقوم بعمليات المطابقة والتدقيق شركات محاسبية عالمية مرموقة.
آلية البيع محددة وصارمة لا تسمح أبدا بأي فساد من أي نوع كان، ومن الواضح أن قانون البنى التحتية لا يحتم تجاوز هذه الضوابط بأي حال من الأحوال، كما ولا يحتم على الحكومة أن تبيع نفطها لجهة ما، ما لم تكن تلك الجهة خاضعة للشروط التي يجب أن تتوفر بالزبون للنفط العراقي، لأن أهم الضوابط في آلية البيع العراقية هو أهلية الزبون لأن يكون شركة تمتلك مصافي نفطية وهي التي تقوم بتصنيع النفط، وعلى أن لا تبيعه كنفط خام في الأسواق الآجلة أو كيفما يشاء الزبون، لأن العراق يبقى يلاحق شحناته حتى آخر مكان تستقر به، وفي حال اكتشف ماهو مخالف لهذه الشروط، سيكون مصير العقد هو الفسخ.
أضف إلى ما تقدم ، إن الدفع لو كان على أساس شحنات من النفط الخام ، فإن هذا الدفع يجب أن يخضع لكل تلك الضوابط، حيث أن الشركة التي دفعت بالآجل وقبلت بالحصول على أجرها على شكل نفط يجب أن تكون مؤهلة أصلا، وبغيره، فإنها قد تجبر على بيع النفط بالإنابة إلى أحد الزبائن المتعاقدين مع سومو فور استلامها النفط، في موانئ التحميل العراقية، لا أن تأخذه وتبيعه كيفما تشاء، وقد تبيعه إلى شركة رصينة وتمتلك مصافي، لأن العراق سيبقى يتابع شحناته من النفط حتى غايتها النهائية.
إن استلام مستحقات الشركات على شكل دفعات نفطية له مردود إيجابي معتبر، حيث بهذه الطريقة يمكن تحرير ما يزيد على 5 % من قيمة النفط، حيث يجب أن تذهب على شكل تعويضات عن الحروب السابقة وعلى شكل أجور لعمليات حسابية بنكية واستشارية للبنك الفيدرالي وصندوق تنمية العرق، حيث تذهب للتعويضات نسبة 5% من العائدات، وهذه النسبة تعتبر أعلى بكثير من نسبة الأرباح المترتبة على أموال الدفع بالآجل، فهي ستكون على شكل قروض قصيرة الأمد، وفي النهاية فهي قروض لكن بأرباح رمزية وبعيده، أي معفاة، من خصومات تعويضات الحروب.
من جانب آخر، لهذه العملية فائدة أخرى ذات أهمية كبيرة جدا في حال بلوغ القدرة التصديرية للعراق أرقاما أعلى من حصته في الأوبك ، فإن الدفع بالآجل، أو المقايضة بالنفط، سيحرر كميات أخرى إضافية يمكن بيعها خارج حصة الأوبك، وهذا ما تفعله السعودية والإمارات وغيرها العديد من الدول عندما تمنح مستحقات ذات طابع شخصي أو مقايضة النفط مقابل خدمات أو بناء أو بضائع، حيث كلها تباع في مناطق معينة من العالم أصبحت معروفة، ليعاد بيعها بالأسواق الآنية عالميا، وهذه الطريقة، أي البيع بالأسواق الآنية، تؤثر بشكل سلبي على استقرار الأسواق النفطية التي يرفضها العراق، لذا فهو ملتزم بشروط بيع النفط العراقي سواء كان على شكل شراء في الأسواق العاجلة أو مقايضة على أن لا يدخل بمزايدات أسواق البيع الآنية.ولعلي أكون محقا لو طالبت بزيادة فرص البيع بالمقايضة، فهذه الطريقة قد تساهم بمحاربة الفساد، خصوصا وإن الشركات التي ستعمل على هذا الأساس أجنبية، ويمكن التأكد من أهليتها،وفق شروط وضوابط العراق لبيع النفط، أما إذا لم تكن تتعامل بالنفط، فهناك وسائل أخرى لإخضاعها للضوابط العراقية كما سنرى في السياق.
قانون الدفع بالآجل يقضي بمطابقة نتائج عمل الشركات مع المعايير الدولية قبل منحها مستحقاتها على شكل نفط، بحيث يتم تقدير سعره وفق أسعار يوم الدفع، فهذه العملية تختصر المسافة التي تسير بها العائدات من عدة مراحل، قد يشوبها فساد ما، إلى مرحلة واحدة فقط، إضافة إلى أن الدفع لا يمكن أن يحدث إلا بعد التأكد من مطابقة العمل مع المواصفات العالمية، حيث بهذه الطريقة ستكون الشركة حريصة على النوعية أولا، وثانيا هي التي ستتحمل مخاطر حركة المال لإنجاز العمل الذي يقايض به النفط، أي سيكون بعيدا عن أيدي الفاسدين والمفسدين، بدلا من ترك الأموال سائبة بيد عصابات من الفاسدين والمفسدين الذين تزخر بهم أروقة العمل العراقي والتي نعانيها أيما عناء.
كما أن العقود لا تجبر العراق على أن يقايض بالنفط، بل ستكون المقايضة خيارا من الخيارات، ففي حال لم تتوفر الكميات التي يمكن تخصيصها كمقايضة، وتوجد لدى العراق سيولة مالية تمكنه الدفع على شكل أموال، فله الحق باختيار الطريقة التي تناسبه، وليس الطرف الأجنبي هو الذي سيحدد شكل الدفع، فهذا الأمر يعطي للعراق حرية كبيرة بالتخلص من السيولة المالية الفائضة أو الطاقات الإنتاجية الفائضة عن حصته في الأوبك، هذا النوع من الحرية بالدفع تضمنها العقود بشكل واضح ،كما أكد ذلك المتحدثون في البرلمان الذين كانوا بمعية رئيس مجلس الوزراء.
ثم أن أموال الدفع بالآجل التي يجب أن يقرها القانون قليلة جدا مقارنة بما يحققه النفط من عائدات، فالأموال التي ستترتب على العراق وفق هذا القانون لا تزيد على 40 مليار دولار، ولفترة زمنية قد تصل إلى خمس سنوات، وهذا يعني أن المترتب على العراق دفعه من هذه الأموال سنويا لا يزيد على ثمانية مليارات دولار، وهي أموال تعتبر قليلة جدا مقارنة بعائدات العراق التي ستزيد على 200 مليار دولار بنهاية السنوات الخمسة، فنسبتها لا تزيد على 4% من عائدات العراق النفطية فقط، وهذا الرقم يعتبر أقل مما يدفعه العراق كتعويضات جائرة، والتي لم يعتبرها أحد على أنها رهن للنفط العراقي.
لذا أستطيع القول إن كل تلك الدعاوى ذات طابع سياسي يراد منها تعطيل القانون الذي سيزيد من رفاه الشعب العراقي، وأن لا يحسب كعلامة إيجابية فارقة بأداء حكومة المالكي، وهذا الأمر يفضح بحد ذاته أيضا معظم تلك الادعاءات التي تسوق لتعطيل القوانين في البرلمان وخلق الأزمات التي تعيق سير العملية السياسية.
بهذا الصدد أدعو الجميع إلى إبعاد النفط ومصالح الفقراء عن المعارك السياسية، لذا سأتحدث بالسياسة وأقول، مهما كانت اعتراضات البعض على أداء الحكومة ورئيسها، فإن ذلك لا يبرر بأي حال من الأحوال الوقوف أمام مصالح الشعب، والفقراء منهم بالخصوص، كما ولا يبرر ربطه مع قانون جائر بحق الشعب،كذلك المقترح للقانون الذي يراد منه العفو عن الإرهابيين وإخراجهم من جديد ليعيثوا بالأرض فسادا بعد أن تمكنت القوى الأمنية من اعتقالهم وزجهم بالسجون، نعم، قد يكون البعض منهم بريئا حقا، ولكن سجن بعض الأبرياء أهون علينا،بما لا يقاس، من قتل الناس الأبرياء بالجملة في الأسواق والمدارس وزعزعة الأمن، كما ولا نريد للنفط أن يكون أداة لدعم الإرهاب ومواقف السياسيين المفلسين.
هـــل حقـــاً قــانـــون البـــنى الـتـــحتية يـرهن النـــفـــط؟
نشر في: 12 أكتوبر, 2012: 05:28 م