تتشرف بابل بأنها من أقدم الحواضر في العالم ومازالت ، ولكن من لا يتقدم يتراجع بالضرورة ، فحتى صناعة الدبس إذ يكاد 89 معملا يتوقف عن الإنتاج بشكل تام بسبب استيراد الدبس السوري والإيراني بكميات كبيرة مما أثر على المنتج المحلي ، هذا ما قاله رئيس اتحاد الصناعات العراقي في بابل ( الحلة ) في جريدة المدى ليوم 10/10/2012 .
فهل وصل حالنا أننا بأمس الحاجة للدبس المستورد بحيث تعطى إجازات استيراد ويمر عبر كماركنا وسيطرتنا النوعية ويدخل أسواقنا وتبيع ( الميه بحارة السقائين ) أتكفي هل ؟ وإذا أرتفع الدبس العراقي بالسعر فإنه بإمكاننا أن نسعره مع زميله الشغلم ليثلج قلوب المسؤولين .
هذا النموذج يكاد يكون فضائحياً لأنه لا إجابة و التسويغ والدفاع عنه مخجل جداً ، مهما كانت الدولة وشعاراتها . ولكن المشكلة بالتمادي فلا نتوقع بعد اطلاع المعنيين أن يوعزوا للكمارك وأجهزتها والتجارة بعدم فتح الإجازات لاستيراد الدبس ، لأن هناك 89 معملا يمكن أن تعمل بعمالها وتنتج عسل التمر .
وهذه المعامل جزء من معامل متوقفة وعددها ( 1228 معملا ) . ويمكننا تصور عدد العمال المسرحين وأي مسطر عماله يضمهم أو أي جهة تتبنى أحلامهم أو أي هجرة يرغبون أو أي منظمة للجريمة تستوعبهم . لم يبق من المعامل سوى ( 340 معملا ) حالياً . وهذه المعامل أيضاً هي ضحايا الاستيراد العشوائي ، قائد مسيرتنا الحالية ليتحطم آخر قلاع الصناعة والزراعة ،بحيث وصل الفقر في ريف وضواحي بابل 60% وهي ترقد بين الفرات وشط الحلة . والذي يساند ويدعم الاستيراد العشوائي هو الكهرباء إذ هذه المعامل بالإضافة للإغراق السلعي هناك دعم من الكهرباء الوطنية لإدامة التدفق السلعي المستورد ، والعامل البديل المفروض عن الكهرباء هو ديزل الذي يعوضنا عن غياب الكهرباء المزمن ، في الوقت الذي تبشرنا وكالة الطاقة الدولية أن إنتاجنا سيتجاوز ستة ملايين برميل يومياً عام ( 2020 ) هل ننتظر الديزل والكهرباء أم ماذا ؟
والأدهى أن الرقابة تشدد من سطوتها على الإنتاج الوطني وتغيب عن المستورد كما نسمع عن الأدوية والشاي والسكر واللحوم وغيرها وذلك لسبب بسيط هو أن الرقابة تصبح عفريت أمام الإنتاج الوطني وتكون أرنب أمام المستورد لأن الأخير أكثر نفوذاً ومالاً وإلا كيف نفسرذلك ؟
وتقفز أمامنا نصائح البنك والصندوق الدولي بأن نعمل على تنشيط القطاع الخاص. نصيحة لوجه الله قدموها دائماً وفي جميع الأحوال والظروف والدول حيث هذه النصيحة بدون ( اكسباير أو تطوير ) فهم نصحونا بأن يرفع الدعم عن المشتقات النفطية منذ عام 2006 مما أدى لارتفاع التضخم ليدفعه الفقراء والصناعيون والزراعيون لصالح التجارة الدولية والإقليمية . ولذلك توقفت الكثير من المعامل ومشاريع الثروة الحيوانية وزراعة السقي بالواسطة التي تتزايد على حساب الزراعة السيحية بسبب شح مياه دجلة والفرات . إنها نصيحة مغرضة !
في الختام لمن الشكوى تكون ليس لنا بعد الله غير الكتل الفائزة المتشاركة أن تشرع لنا ما يستر عورتنا على الأقل . وأن نطلب من البنك الدولي والصندوق ترجمة دعوتهم من خلال تنشيط القطاع الخاص و دعم تنويع الاقتصاد والتنمية المستدامة والضغط أكثر على الحكومة بفك الحصار عن دبس الحلة وأخواتها ، لكي تكون لهم مصداقية تعوضنا عن رفع دعم المشتقات النفطية على الأقل ،ويطعموننا من لحم ثورنا لكي لا نتراجع وتغلق باقي المشاريع في بابل الفيحاء وغيرها.