ما كان يليق باتحاد الأدباء والكتاب أن يضع نفسه أو يجدها في موقف يشبه موقف الشحاذ الواقف على الأبواب سائلاً مستعطفاً، ثم مختلفاً مع من يتصدق عليه عما إذا كان قد تسلّم الأعطية أم لم يتسلمها، كاملة أم منقوصة، على نحو أصولي متوافق مع القوانين أم متجاوز عليها.
في مهرجان الجواهري الذي كان يتعيّن أن يكون مناسبة لتأكيد المزيد من الحضور والفعالية والاحترام للاتحاد الذي يضم نخبة البلاد الثقافية والفكرية، انفجر بالون لم يكن غازه عطراً، فقد جرى ما يشبه التلاسن بين الاتحاد ووزارة الثقافة على خلفية اتهام الاتحاد للوزارة بالتذبذب في دعم المهرجان في دوراته المختلفة وردّ الوزارة بأنها كريمة فيما الاتحاد يتخلف في تقديم الفواتير السابقة لدفع مبالغ الدعم اللاحقة.
وزارة الثقافة كسائر الوزارات والدوائر الحكومية محكومة ببيروقراطية الدولة اللعينة، مثلما هي محكومة بشحّ ما ترصده للثقافة دولة لدى مسؤوليها مفهوم متخلّف للثقافة يحتقر نوع الثقافة المعني بها الاتحاد وبعض دوائر وزارة الثقافة. فما كان على الاتحاد أن يتوقع انحيازاً له واقبالاً عليه من وزارة من هذا النوع في دولة من هذا النمط.
لماذا يتعيّن على اتحاد الادباء المفترض انه منظمة طليعية تقدمية أن يركن الى صدقات حكومة مشغولة بالمحاصصة ومرتهنة الى التوافقات الطائفية والسياسية؟ لماذا يعتقد الاتحاد ان الحكومة يمكن أن تقدّم له الدعم المالي كرمى لعيونه وعيون المثقفين الناقمين في غالبيتهم على الأوضاع القائمة من دون أي مقابل تطلبه هذه الحكومة؟
إتحاد الادباء منظمة مجتمع مدني. ومنظمات المجتمع المدني في بلادنا نوعان: نوع، وهو الأكثر عدداً وعدّة، موضوع في جيب الحكومة ونوع باق حيثما يجب أن يكون خارج هذا الجيب. الأول تُغدق عليه الحكومة بالأموال والامتيازات لقاء الولاء لها والسير في ركابها، والثاني تجافيه الحكومة وتحاربه لأنه صاحب ضمير مهني ووطني، والمفترض أن يكون اتحاد الأدباء من النوع الثاني فلا ينتظر صدقة من الحكومة كيما يظل عنواناً عريضاً وقوياً للثقافة الوطنية الأصيلة.
في البلدان الديمقراطية لا تركض اتحادات الأدباء وسائر الاتحادات الثقافية الرصينة ومختلف منظمات المجتمع المدني وراء الحكومات من أجل أعطياتها.. إنها تموّل نفسها ذاتياً، وبالأخص من خلال ما تحصل عليه من تبرعات غير مشروطة، فهي تتوجه إلى المجتمع، أفراداً ومؤسسات وشركات، للتبرع لها. ويقوم بهذه المهمة أشخاص متخصصون في هذا الميدان يُعرف الواحد منهم باسم "جامع التبرعات "Fund Raiser الذي يجهد لاقناع من يتوجه اليهم بجدوى التبرع لمنظمته. أما الحكومات فلا تتوجه اليها هذه المنظمات في كل الأحوال خشية الوقوع في المحظور، والمحظور هنا أن يؤدي التمويل الحكومي إلى التواطؤ الذي لا يليق بالنخبة الثقافية خصوصاً.
نريد اتحاداً للأدباء لا يعوّل على الدعم الحكومي حتى لا تنفتح أمامه طريق للتواطؤ مع الحكومة، أي حكومة.
اتحاد الأدباء ووزارة الثقافة
[post-views]
نشر في: 14 أكتوبر, 2012: 07:43 م
جميع التعليقات 1
thv,r hgalvd
شكرا لك ايها العزيز هكذا تكون المواقف والا فلا.. لقد شاهدت اكثر من مره مسؤلون في الاتحاد يطالبون وبشكل مخجل بالمساعدات ولكن دون جدوى