TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ترنيمة امرأة.. شفق البحر

ترنيمة امرأة.. شفق البحر

نشر في: 15 أكتوبر, 2012: 05:26 م

يكتب سعد محمد رحيم حكايته في رواية عنوانها "ترنيمة امرأة.. شفق البحر" بلغة حميمية كأنه يحكي لأصدقاء حميمين. يكتب رواية؟ نعم. لكنه لا يكتب رواية!
ثمة راوٍ عارٍ أمام قارئه، إلا ما اقتضته ضرورات السرد من ألعاب ومكائد وأقنعة، فنجده في شخصياته أو نجد شخصياته فيه، يوزع آلامه عليهم ويحمل آلامهم عنهم ويقتسم معهم رحلة التيه والأسئلة والأوهام، على شكل سرد شخصي كأنه يكتبه لنفسه قبل غيره، فلا ادعاءات أو غرضيات أو تنطع، بل بتلقائية من يعرض على الآخرين أسباب شجنه وبلواه.
"سامر" مواطن عراقي خرج من أكثر من حرب سالماً عن طريق الصدفة أو الحظ الحسن، ليتعرف الى "كلوديا" الإيطالية بتونس، ابنة رجل الأعمال والحالمة برحلة إلى الشرق، تتبناه، عاطفياً، بحب مشوب بشفقة، لتساعده في بلوغ تلك الجنة/ الوهم وتهربه إلى بلدها الأم، لتكون "كلوديا" هي الغرب المؤنث، الأقل قسوة لأن "سامر" ليس "مصطفى سعيد" بطل الطيب صالح في "موسم الهجرة إلى الشمال" المنتقم لذكورته المنتهكة على يد المستعمر، كما جاء في رواية رحيم: "أنا لست مصطفى سعيد".
سامر، البطل الراوي، خلاصة عذابات شخصية وجماعية، حيث يبدو الألم الفردي جماعياً، والجماعي فردياً، بينما يسجل لحظة اشتباكه الفكري/ الحضاري مع العالم بأسلحة فقيرة على عادة أكثر الضحايا فقراً، وبعزلة الكاتب المكتفي بدوخته والتطامن مع وحشته.
يسجل رحيم اشتباكاته المتعددة، ذات الجوهر الواحد: سوء الفهم، بلغة شعرية أراد لها أن تكون "شخصية" أخرى من شخصيات روايته، فكسر النمط اللغوي المعهود وتخلص من زوائد الكلام المكرر والمكرس وإن بدا "مهوّماً" في بعض المقاطع، ولربما أخذه "الإنشاء" أبعد مما هو ضروري، فما أحوجنا، نحن القراء، إلى "شهادة" وإن جاءت بلغة أكثر ملموسية لتقربنا من الألم أكثر ومن الأمل أقرب ما يمكن مهما بدا بعيداً.
يلعب رحيم، مع قارئه، لعبة مكشوفة، هي من ألعاب الخاسرين، وما أكثر خسارات "سامر" التي أنجبت كل هذا الوجع.
إنه يكرر: لنتخيل شخصية "فلان"، أو لنفترض أن "فلان" الذي جئت به في هذا الفصل سيلتقي "فلاناً" وهكذا "يغرّب" المؤلف وقائعه، في رواية صغيرة داخل الرواية الكبيرة، فـ "سامر" مشروع روائي مؤجل يحاول إكمال روايته، "هناك" على الساحل الشمالي للبحر المتوسط برفقة "كلودياً" وشلتها.
الحوار الذكي الذي أداره الراوي (سامر) مع "مايكل" الأمريكي الذي شارك في ضرب العراق، في حرب الخليج الثانية والذي كان من أسباب "طلعاته" الجوية مقتل "حنان" العراقية، حبيبة سامر" التي ماتت بالسرطان جرّاء اليورانيوم المنضب.. هذا الحوار كان من أبرع حوارات الرواية وأكثرها أهمية إذ يسبغ على "عدوه" الكثير من الرأفة والتسامح، وكأننا أمام شخصية مكتوبة بروح مسيحية، ولا بأس عندما ندرك وعي "سامر" لمعضلة الضحية الجلاد، ليكون كلاهما "ضحية".. ضحية عالم غير عادل وقاس يدير الحياة بقسوة وغير آبه لأي شكل من أشكال التفهم والتفاهم وجدارة الآخر/ الشرقي بالحياة في أبسط شروطها: السلام الشخصي.. وما أحوجنا إلى مثل هذه الروح المفتوحة مثل "شفق البحر".
أما "خالد"، زميل "سامر" من أيام الدراسة الذي خاض معركته بأسلوبه الخاص، لبلوغ جنته عبر الصحراء الأفريقية، فلم يجد مكانه الصحيح في الرواية، على أهمية هذه الشخصية، وليت المؤلف وجد له مكاناً آخر كأن يكون في الفصول الأولى، حيث ورد لأول مرة، بشكل عابر وغير مشبع روائياً.
شكراً لسعد محمد رحيم مرتين: الأولى، لأنه كتب رواية ممتعة والثانية، لأنه أهداني نسخة بإهداء مشكور.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram