حسين عبدالرازق
انشغلت الصحف وأجهزة الإعلام بالحديث عن «إنجازات» الرئيس د. محمد مرسي خلال المئة يوم الأولى من حكمه (من 30 يونيو وحتي 7 أكتوبر 2012)، وما تحقق من وعوده وما لم يتحقق، وقبل الدخول في تفاصيل برنامج المئة يوم الأولى لرئيس الجمهورية، فهناك عدد من الملاحظات لابد من وضعها في الاعتبار..
- الملاحظة الأولى أن رئيس الجمهورية هو الذي بادر بإعلان برنامجه للأيام المئة الأولى لحكمه، متأثرا في ذلك كما يبدو بما يحدث في الولايات المتحدة وفرنسا وغيرها من الدول الديمقراطية التي تأخذ بالنظام الرئاسي أو النظام المختلط.
- الملاحظة الثانية أن برنامج الرئيس للمئة يوم الأولى ركز على خمس قضايا رئيسية هي «الأمن - المرور - النظافة - الخبز - الوقود»، ورغم أهمية هذه القضايا أو الأزمات فهي نتاج لأزمات وقضايا رئيسية تجاهلها برنامج الرئيس تماما، فالقضايا الخدمية الخمس التي تعهد الرئيس بحلها أو مواجهتها لبدء حلها، هي منتج ثانوي، إذا جاز التعبير للسياسات التي أعلنت عام 1974 تحت اسم الانفتاح والقائمة على انسحاب الدولة من الاستثمار والإنتاج وتوفير الخدمات الأساسية والرهان على دور القطاع الخاص المحلي والأجنبي في تحقيق التنمية وعلى دور السوق الرأسمالي، تنفيذا لروشتة صندوق النقد والبنك الدوليين وهيئة المعونة الأمريكية المعروفة باسم «سياسة التثبيت والتكيف الهيكلي»، ومن أهم بنودها بيع وتصفية القطاع العام «الخصخصة»، وهي السياسة المتبعة حتى الآن!
وقد أدت هذه السياسات في كل البلاد التي طبقت فيها، وتحديدا في مصر، إلى نتائج سلبية أبرزها ارتفاع نسب الفقر التي وصلت إلى أن 48% من الأسر المصرية تعيش تحت خط الفقر و23% من الأسر تعيش تحت خط الفقر المدقع، وإلى وجود 1500 منطقة عشوائية يعيش فيها ما بين 12 مليونا و17 مليونا.
كما أدت إلى انتشار البطالة، فطبقا لبيانات اللجنة العليا للتشغيل برئاسة مجلس الوزراء - قبل ما يزيد على خمس سنوات - يتراوح عدد العاطلين عن العمل ما بين 5.2 مليون و436.3 مليون عاطل بنسبة ما بين 17% و20% من حجم قوة العمل، ويشكل المتعلمون بين العاطلين الأغلبية بنسبة تصل إلى نحو 3.87%، والنسبة الأكبر من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و40 سنة، وقد ارتفعت نسب البطالة بعد الثورة.
وشاع الفساد في مصر طوال العقود الماضية بصورة غير مسبوقة، حيث انتشر من القمة إلى القاع، وتورط فيه كبار المسؤولين «وأبناؤهم وزوجاتهم وذووهم» من الحكام في أجهزة الحكومة والهيئة التشريعية والدوائر القضائية والموظفين الكبار والصغار وجهاز الشرطة، وزاد الأمر خطورة أن هؤلاء - خاصة كبارهم - كانوا خارج نطاق المحاسبة وبعيدين عن دائرة سلطة القانون، بل أصبح البعض منهم هم من يشرعون القانون!
- الملاحظة الثالثة، أنه رغم ثورة 25 يناير وإسقاط حاجز الخوف، فمازالت ترسانة القوانين المقيدة للحريات التي تنتهك حقوق الإنسان قائمة، تهدد الحرية العرفية التي نتمتع بها في المرحلة الحالية، وفي مقدمة هذه القوانين: القانون رقم 10 لسنة 1914 والخاص بالتجمهر الذي أصدره خديوي مصر في 18 أكتوبر 1914 في ظل الحماية البريطانية، والقانون رقم 14 لسنة 1923 الخاص بالتجمعات والمظاهرات، وعشرات المواد في قانون العقوبات 58 لسنة 1937، والقانون 58 لسنة 1949 الذي يجرم حق الإضراب، وقانون الأحكام العسكرية 34 لسنة 1966، وقانون الحراسات 34 لسنة 1971 وقانون مكافحة الإرهاب 97 لسنة 1992، وقانون الجمعيات 84 لسنة 2002.. إلخ.
وقد تجاهل برنامج المئة يوم الذي طرحه الرئيس محمد مرسي هذه القضايا الجوهرية تماما، وركز على القضايا الخمس السابق الإشارة إليها.
وفي الأسبوع الماضي قامت شبكة «مراقبون بلا حدود» بمؤسسة عالم جديد للتنمية وحقوق الإنسان بإصدار تقرير يتضمن دراسة موثقة لتعهدات الرئيس وما تم تنفيذه منها أو شرع في تنفيذه.
يقول التقرير إن الرئيس طرح في برنامج القضايا الخمس 64 بندا يتم تنفيذها خلال المئة يوم الأولى، وأن هناك 42 بندا لم يتم الاقتراب منها، وبدأ في تنفيذ 22 بندا فقط، أي أن هناك 63.65% من وعود الرئيس لم يشرع في تنفيذها حتى نهاية المئة يوم الأولى.
وعلى سبيل المثال فمن بين 18 بندا في ملف المرور لم يتم تنفيذ إلا بندا واحدا ولم يتم التعامل مع 17 بندا، وفي ملف الوقود تم تنفيذ بند واحد من خمسة بنود، وفي ملف النظافة لم يتم تنفيذ 4 بنود من 7، وفي ملف رغيف العيش لم يتم تنفيذ 9 بنود من 13.. وهكذا.
والمحصلة النهائية بقاء الحال على ما هو عليه، وإحساس الناس أن الرئيس والجماعة والحزب قد خدعوهم، وأن ثورتهم في 25 يناير قد تمت سرقتها، وأن السؤال المطروح اليوم على كل الأحزاب والقوى السياسية والحركات الاحتجاجية هو.. ما العمل؟!