اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > فكرة الحُب العابر والعِشق المُقيم فـي "أعراف" يشيم أوسطا أوغلو

فكرة الحُب العابر والعِشق المُقيم فـي "أعراف" يشيم أوسطا أوغلو

نشر في: 17 أكتوبر, 2012: 04:53 م

أبو ظبي/ عدنان حسين أحمد

ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في الدورة السادسة لمهرجان أبوظبي السينمائي الدولي التي ضمّت خمسة عشر فيلماً روائياً طويلاً نذكر منها "كل يوم" لمايكل ونتربوتوم و"جنجر وروزا" لسالي بوتر و"العشاء الأخير" للو شوان وفيلم "الأعراف" ليشيم أوسطا أوغلو مدار بحثنا ودراستنا النقدية.

لا بد من الإشارة أولاً إلى أن عنوان هذا الفلم التركي هو "الأعراف" وهي كلمة ذات مرجعية دينية تعني مكان بين الجنة والنار، والمُعرَفون هم أولئك الناس الذين لا يرَون راحة الجنة ولا عذاب النار، فهم بين بين، وهذا هو المعنى الحقيقي لعنوان الفلم الذي تُرجم خطأً في كتالوغات المهرجان باللغتين العربية والإنكليزية.
تتمحور فكرة الفلم الرئيسية على العلاقة "العاطفية" المرتبكة بين زهرة وأولغن، فالفتاة لم تستقر مشاعرها وأحاسيسها تجاه أولغن كلياً، وربما وجدت فيه أول الأمر شاباً حالماً بالثروة التي تبني مجده الشخصي الذي لا يتعدى حدود الفوز في برنامج فني  يهيئ له بعض المال الكافي لشراء سيارة رباعية الدفع، وبيت كبير وما إلى ذلك من متطلبات مادية ملموسة تيسّر حياته اليومية، بينما تفكر زهرة بالسفر، واكتشاف العالم، فلا غرابة أن تتعلق بـ "ماهور"،(جسّد الدور بإتقان عالٍ الفنان أوزكان دينيز)، سائق الشاحنة الذي يقضي جلّ وقته على الطرق السريعة، ويتحين بعض الفرص النادرة لاقتناص المتع الجسدية العابرة التي تُسكت الوحش الإيروسي القابع في أعماقه. الغريب أن ماهور لم يتحدث طوال الفلم، وكأن الحديث ليس وسيلة للتواصل والتفاهم، بل أنه لم يتحدث أصلاً إلى زهرة التي أعتقدت بأنه يحبها، ولذلك فقد سلّمته جسدها، وتركته يحقق لذته الإيروسية غير مرة حتى حملت منه جنينها الأول. ربما يتساءل مُشاهد هذا الفلم عن طبيعة العلاقة العاطفية بينها وبين أولغن، الشاب المقيم معها في المدينة الصغيرة التي بدأت تضيق بهما، وهو سؤال مشروع ومنطقي، لكن الإجابة ستأخذنا إلى مفترق طرق. فكلاهما يعمل في مطعم محاذٍ لمحطة نقل مسافرين تطل على الطريق السريع، وهو البؤرة المكانية التي جذبت ماهور لكي يجد نفسه وجهاً لوجه أمام علاقة عاطفية شائكة كنا نتصور أنها ستفضي إلى الحب، وليس إلى الجنس العابر. تأخذ القصة مسارا آخر حينما تكتشف زهرة أنها حامل، والغريب في الأمر أنها لم توافق على فكرة إسقاط الجنين أول الأمر، لأنها كانت تعتقد أن ماهور يحبها، ولن يتخلى عنها بهذه السهولة، لكن ما إن تتيقن زهرة من حملها الذي مرّ عليه ثلاثة أشهر تقريباً حتى تكشف أمرها لأولغن الذي يجن جنونه ويتجه مباشرة إلى داريا الذي يعتقد أنها حولت زهرة إلى مومس رخيصة فينهال عليها بالضرب المبرح والسباب، وأكثر من ذلك فإن يحطم غالبية محتويات منزلها، ثم يضرم فيه النار في خاتمة المطاف ليجد نفسه في السجن، أما زهرة فتذهب إلى المستشفى وقبل أن تعاينها الطبيبة تذهب إلى الحمام وفي مشهد شديدة القساوة تُسقط جنينها وتلقيه من نافذة الحمام إلى خارج البناية، ثم يستدعيها البوليس ويحقق معها في الأمر، لكنها تنهار ويغمي عليها لمدة من الزمن ثم نراها مع الطبيبة التي تحاول مساعدتها وإنقاذها من الأزمة النفسية الحادة التي تمر فيها.، وحينما تستقر بعض الشيء تكتب رسالة اعتذار إلى أولغن على الرغم من معرفتها التامة بأنه لن يرد عليها وتخبره فيها بأنها تعتذر جداً لأنها لم تفهمه من قبل، كما تمنت له أن يُخلى سبيله وتعود الأمور إلى سابق عهدها. ثم نفاجأ بأحد المراسلين التلفزيونيين وهو يخاطب الجمهور من داخل باحة السجن معلناً عن نبأ سار مفاده أن أحد السجناء قد قرر في خاتمة المطاف بناء على رسالة زهرة أن يتزوج من حبيبته التي أخطأت ذات مرة، لكنه قرر مسامحتها والزواج منها داخل فضاء السجن لكي يبدأ معها حياته من جديد.
لم تكتف المخرجة المبدعة يشيم أوسطا أوغلو بالقصة الرئيسية للفلم، وإنما أردفتها بقصة فرعية لم تخرج عن مضمون قصة زهرة وماهور، فلقد أحبت داريا جندياً واعتادت أن تذهب معه إلى "أزميت" ووعدها بأنه سوف يتزوجها ذات يوم، ولكنه ذهب ولم يعد، فيما أنجبت داريا ولدها الذي لم تره، ولم تلمسه أبداً، بل أنها لم تعرف الأبوين اللذين تبنياه فظلت رائحة الطفل تسكنها وتطاردها مثل شبح غامض يعذبها ليل نهار.
قد تكون هذه القصة مألوفة ومطروقة مئات المرات بدليل أن المخرجة يشيم أوسطا أوغلو قد كررت قصة داريا للإشارة إلى إمكانية حدوث هذه القصص لمرات متعددة، لكن معالجتها الفنية كانت أكبر من ثيمة الفلم نفسها، بل أن استعمالها للقطات المقرّبة كانت على قدر كبير من الذكاء بحيث أمسكت بالعديد من المعطيات الجمالية لوجه زهرة ويديها، وبقية مفاتنها الجسدية التي كانت على قدر كبير من الإثارة، كما أن تلاشي الشاحنة الكبيرة الحجم كان لقطة بصرية متميزة أوحت للمُشاهدين بأن هذا السائق العابر لن يعود، وهذا هو دأب الشخصيات غير المقيمة بمكان محدد.
ينطوي على هذا الفلم على قسوة كبيرة سواء في عملية الإجهاض المروعة التي قامت بها زهرة، أو حالات الضرب العنيف التي شاهدناها من أكثر من شخصية، فالأم تضرب ابنتها وتعنّفها، وأولغن رأيناه يضرب داريا ضرباً مبرحاً ويحطم كل موجودات المنزل، فيما كان هناك شخص ثالث يسمم الكلاب لأنها تنبح ليلاً. الفلم يستبطن هذا البرزخ الفاصل بين مكانين، الأول جحيم ملحوظ تتعذب فيه الشخصيات المقيمة في المدينة، والثاني جنة مفترضة نتخيلها في أذهاننا ونتمنى أن نقيم فيها، لكنها أشبه بالسراب الذي لا نفلح في اصطياده أو الإمساك به.
جدير ذكره أن يشييم أوسطا أوغلو قد أخرجت عدداً من الأفلام المهمة نذكر منها "بانتظار الغيوم"، "رحلة إلى الشمس"، " الأثر"، "الثنائي" و "صندوق باندورا" الذي فاز بالعديد من الجوائز المحلية والعالمية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram