يؤشر الاقتراح الأخير الصادر عن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بإجراء محادثات ثلاثية تضم كلا من تركيا وإيران ومصر، ومنظومة ثانية قد تتكون من تركيا وروسيا وإيران، وثالثة تجمع بلاده مع مصر والسعودية، تفضيل أنقره للحلول السلمية، رغم هدير المدافع عند حدودها مع سوريا ، وأردوغان يؤكد ذلك عبر إعلانه الدعم لمساعي المبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في سوريا، بعد ما يقارب العشرين شهراً من القتال غير المتكافئ، والذي بات واضحاً أن أياً من طرفيه غير قادر على حسم المعركة، وبمعنى أن سيل الدم مرشح لمزيد من الجريان في بلاد الشام.
تأييد أردوغان لمهمة الإبراهيمي جاء بعد اتفاقه مع الرئيس الإيراني على إعلان مشترك، يحث كلاً من المعارضة والنظام على وقف إطلاق النار، دون أن يغفل دور الدول المعنية في الأزمة كروسيا والسعودية ومصر، ودول المنطقة التي يمكن لها إعلان دعم المبادرة التي أطلقها المبعوث الأممي داعياً السلطات الإيرانية إلى المساعدة على تحقيق وقف لإطلاق النار في سوريا خلال عيد الأضحى، وهي دعوة لقيت اهتماماً في دمشق، وإن أرفقت ذلك بالقول إن نجاح أي مبادرة يتطلب تجاوب الطرفين، وإذا كان المجلس الوطني السوري رحب بدعوة الإبراهيمي، فإن الجيش الحر شكك في إمكانية تنفيذها، واصفاً إياها بأنها غير ذات قيمة، وبما أنه المعني أولاً وأساساً بوقف إطلاق النار فإن المبادرة وما تبعها من مواقف باتت طحناً للماء.
السؤال يتعلق بالموقف التركي، إن كان مناورةً للتأكيد على عدم رغبة أنقره بتواصل الاشتباكات التي طاولت حدودها، مع الاستمرار في دعم مناوئي الأسد بانتظار موقف دولي ملائم لتدخلها بشكل عسكري سافر لنصرتهم، أو هي قناعة تولدت باستحالة انتصارهم، واستمرار النظام الحاكم حتى وإن ارتخت قبضته الأمنية، ولم يعد قادراً على السيطرة المطلقة على أراضي الدولة، وبمعنى استمرار القتال بوتائر أدنى تضمن أن الشعلة موجودة وإن خبت، وهنا يتـولد سؤال آخر عن تزامن التأييد التركي لمقترح الإبراهيمي مع الاجتماع المنعقد بين أردوغان والرئيس الإيراني أحمدي نجاد، وماذا سمع عن موقف الجمهورية الإسلامية المتطابق حتى هذه اللحظة مع مواقف حزب البعث السوري، وهل من الممكن أنه سمع تلميحاً عن جهوزية عسكرية عند الحرس الثوري الإيراني، للانخراط في أي مواجهة عسكرية محتملة بين سوريا وتركيا.
كل ذلك ممكن، لكن المؤكد أنه ليس هناك غير المجانين من يندفعون للحرب دون تقدير أكلافها، وأردوغان ليس منهم، وهو وإن كان واثقاً بقدرة جيشه على حسم المعركة لصالحه، خصوصاً إن لم تتعد حدود شمال سوريا، فإنه يعرف الأكلاف الباهظة التي ستدفعها بلاده، سواء كان ذلك على شكل تبعات متوقعة في ساحته الداخلية، أو التأثير المباشر على الاقتصاد، أو على العلاقات الإقليمية التي جرى التبشير بأنها ستكون في خانة صفر مشاكل، وتبعاً لذلك فإن أردوغان يلعب بذكاء مع مستجدات الأحداث على الأرض، دون خوف من إعلان الجنوح إلى السلم، ما دام الطرف الآخر يعلن ذلك، وإن كان الطرفان يبطنان غير ما يظهران.
لا ينتظر السوريون العيد، فهم في شغل عنه بتوديع الضحايا من أبنائهم، وليس بتقديم الأضاحي، التي نجزم أن معظمهم لا يملك ثمنها، وهم لن يكونوا سعداء، توقفت الحرب في هدنة قصيرة أو استمرت، فالأمر سيان، وهم يسألون عن جدوى هدنة لأربعة أيام، تتيح لطرفي النزاع الحشد بشكل أفضل لما بعدها، ومن حقهم إسماع صوتهم لكل من له يد في مصيبتهم، وهم يرددون "بأية حال عدت يا عيد".