TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الحسد واجب

الحسد واجب

نشر في: 20 أكتوبر, 2012: 07:39 م

لدي انطباع ذكرته مرة، وأعود اليه ثاني مرة، هو اننا نحن العراقيين أكثر خلق الله خوفا من الحسد، لكثرة تعليق سورة الفلق في بيوتنا. والاهتمام بتعليق هذه السورة دون غيرها من سور الكتاب العزيز مثير للإستغراب، لقلة أو انعدام ما نحسد عليه.

أما انا، ورغم قلة مودتي لقريش التي آذت الرسول في حياته كما آذت الاسلام بعد مماته، فقد علَّقت سورة قريش، بسبب آيتيها القائلتين:" فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف". لكونهما تجلان الغذاء والأمان وهما أهم حاجات الانسان. ونصيبنا من الاثنين على مر العهود يدعو الى الشكوى منه وليس الى الخوف عليه من الحسد.

والحمد لله على نهاية سنوات الحصار وتحسن المستوى المعيشي نسبيا. ولكننا لم نأمن من الخوف. بل ان مصادره تعددت. فبعد أن كنا نخاف الحكومة وحدها اصبحنا نخاف الحكومة والارهابيين والميليشيات والعصابات والغموض الناتج عن تراكيب الفوضى السياسية والأمنية، فضلا عن المستقبل المجهول. ومن بين نتائج الخوف أو التخويف تلاشي حياة الليل مع استمرار حظر التجول الكيفي ثم الرسمي تسع سنوات متواصلة.

والليل الممنوع كالليل الحندس الذي تتعوذ منه احدى آيات سورة الفلق:"ومن شر غاسق اذا وقب". ولعل الناس في عصر النزول كانت ترى في الليل شرا أكثر مما ترى في النهار، لأن الكهرباء لم تكن مكتشفة. والفرق بين العصرين القديم والحالي اختفى مع قلة الكهرباء وكثرة الظلام. والظلام مصدر آخر للخوف.

ومع وجود كل هذا الخوف لا يصح أن يضل عقلنا الى درجة الاعتقاد بأن هناك ديمقراطية في بلدنا. يقول توماس جيفرسون "عندما يخشى الشعب حكومته يكون الطغيان، وعندما تخشى الحكومة شعبها تكون الحرية". ونحن نخاف الحكومة بالإضافة الى الأطراف الستة المذكورة آنفا. كما أن حكومتنا لا تخاف الله ولا تخشى الشعب. ولذلك فان الديمقراطية في العراق حديث خرافة.

والخائف آخر من يُحْسَد، وأول من يجب أن يَحسِد. يحسد الشعوب المتنعمة بخدمة الأمن من الخوف وبقية الخدمات. فالحسد واجب اذا اعتبرناه نوعا من التطلع الخيِّر الى النعم، لا كتطلع شرير الى زوال النعم من الآخرين. ومن هذه الزاوية أنفقت عمري كله في الحسد. حتى الفلسطينيين حسدتهم أو غبطتهم مرة. كان ذلك عندما قاموا بانتفاضتهم الاولى على اسرائيل عام 1987. فأي شعب عربي يستطيع الانتفاض ذلك الوقت؟ وحدهم الفلسطينيون كانوا يستطيعون لأن احتلال اسرائيل أرحم من احتلال الأنظمة العربية.

ولابد انه كان هناك عرب حاسدون كثيرون مثلي للفلسطينيين المنتفضين. ولعل التراكم الكمي لذلك الحسد أدى الى تغير نوعي تمثل بانتفاضات "الربيع العربي". وكل بلدان هذا الربيع كانت لديها نسبة خدمات متقدمة جدا بالقياس الى العراق. إن ترقي الخدمات يفتح عين الحسود على الحريات. فالرفاهية تمهد الأرض أمام الحرية: وهاتان هما النعمتان الكبريان. ويبدو ان حكومتنا واعية لهذه القصة. فذلك يفسر لامبالاتها بالخدمات مقابل شدة اهتمامها بالدفع العاجل والآجل. ولعل هذه طريقتها لوضع العود بعين الحاسود، أو وضع العصا في عجلة النِعَم.

ولكن هيهات. فالحسد فطرة جبل عليها الانسان. وقد تكلمت العرب عن مساوئه ولأمر ما سكتت عن محاسنه. واهمها العين المفتوحة على النعمة. وتلك عين حباها الله بالتركيز على حسن المنظر والتحسر على طيب العيش والمعشر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ابوحسين الخزعلي

    موضوع لطيف اثاري في شجون كثيرة منها انني كنت احسدك على النعمة التي كنت فيها مناضلا ضد نظام صدام ومتمتعا في اجواء لندن وابو ضبي بعيدا عن الجوع والخوف ونحن ناكل الحصرم في ضل حصار قاسي كاد ان يفقدنا توازننا ولكن ارادة العم بوش تحققت بتحريره العراق من نظام ال

  2. ابوحسين الخزعلي

    موضوع لطيف اثاري في شجون كثيرة منها انني كنت احسدك على النعمة التي كنت فيها مناضلا ضد نظام صدام ومتمتعا في اجواء لندن وابو ضبي بعيدا عن الجوع والخوف ونحن ناكل الحصرم في ضل حصار قاسي كاد ان يفقدنا توازننا ولكن ارادة العم بوش تحققت بتحريره العراق من نظام ال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram