حتى لو مر يوم تشييع جثمان العميد وسام الحسن بهدوء فإن لبنان بعد تفجيرالأشرفية، لن يظل كما كان قبله، تلك حقيقة يؤكدها ما نلمسه من احتقان مذهبي على وشك الانفجار، تبعاً لانتقال الأزمة السورية إلى شوارعه, وبات على اللبنانيين التعايش مع مخاوفهم وهواجسهم التي تحتل اليوم زوايا بيوتهم , على الرغم من عدم وضوح كيف ستنعكس جريمة اغتيال الحسن على الواقع اللبناني الهش, أو على ما يجري في سوريا, وهل تتجه النية إلى تحميل نظام دمشق المسؤولية ومعاقبته أم أنها ستقود إلى محاولة لتطويق الحريق السوري ومنعه من أكل الأخضر واليابس, وبما يفضي إلى البحث عن مخارج سياسية لاحتواء الأزمة السورية، قد تكون البداية بهدنة الأضحى التي غابت عن بيان الخارجية السورية بعد محادثات الإبراهيمي في دمشق، رغم الترحيب بها إقليمياً ودولياً ومن بعض أطياف المعارضة السورية.
على من يتهم النظام السوري باغتيال الحسن التنبه إلى أنه لم يكن يشكل تهديداً جدياً لذلك النظام, بقدر ما شكل تهديداً لحلفائه اللبنانيين, خصوصاً بعد كشفه لمؤامرة ميشال سماحه لتفجير العنف الطائفي في الساحة اللبنانية, بتحريض من دمشق, وبما يشكل بداية لكشف عملاء جدد لدمشق, قد تكون لديهم مخططات تستحق الإحباط, وهي متعلقة بمعركة النفوذ في وطن الأرز فيما لو قدر لنظام الأسد أن يغادر مواقع السلطة كاشفاً ظهر حلفائه اللبنانيين بارتباطاتهم مع النظام الإيراني, ما عجل تنفيذ جريمة التخلص منه , لتأكيد هيمنة حزب الله على الساحة اللبنانية الآن وفي المستقبل بغض النظر عن ما يجري في دمشق.
خسر الفريق المناوئ لحزب الله في لبنان كثيراً بفقدان الحسن, وخلو موقعه الأمني المهم, لكن الواضح أن هذه الخسارة المؤلمة ستزيد من إصرار هذا الفريق على تحجيم النفوذ الإيراني, أسوة بما كان تعامل به مع النفوذ السوري, ولكليهما وكيل واحد, مصر على المضي قدماً في مخطط إلحاق لبنان بولاية الفقيه, مثلما هو مصر على تقديم كل الدعم للنظام الحليف في دمشق, الذي يقال أن لديه قائمة طويلة من السياسيين اللبنانيين تنتظر التصفية بالاغتيال, فإذا كان الحسن هو المعني بحمايتهم فإنهم اليوم باتوا مكشوفين, وبما يعني أن مسلسل الاغتيالات الذي استؤنف بالعميد الحسن سيستمر لفترة غير قصيرة.
ليس هناك أدنى شك بأن اغتيال العميد الحسن يشكل نبوءة سوء للبنان، تنذر بالعودة إلى أجواء الحرب الأهلية, التي تجد أرضية مناسبة, تتمثل بتنامي الحس الطائفي, وحالة الاستقطاب السياسي، والانقسام الحاد بين تكتلين سياسيين كبيرين, أحدهما يدين بالولاء لطهران, والثاني للسعودية, ودائماً يكون الانتماء الطائفي حاضراً بقوة في مشهد هذا الانقسام, الذي يؤسس لنشوب نيران الحرب الأهلية الدموية, التي انتقلت من سوريا لتلامس الجغرافيا اللبنانية غير المحصنة ضدها, ولن يكون بعيداً أن نشهد انهيار المنظومة الأمنية الهشة, عبر عمليات اغتيال متبادلة تقود إلى درب واحدة فقط هي درب الحرب الأهلية.
المشكلة أن لبنان كان على الدوام ميداناً لحروب بالوكالة, منذ أيام كميل شمعون, ومروراً بكل العهود التي مرت عليه, وكان استثناءً أن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لم تؤد إلى نشوب حرب أهلية, ولكن هل يعيد التاريخ نفسه بعد اغتيال الحسن؟, وعلى أي وجه ستكون تلك الإعادة؟, هل نستعيد ذكرى مجزرة عين الرمانة عام 1975, التي كانت شرارة حرب استمرت حوالي الخمسة عشر عاماً, أم يتم تجاوز أو تأجيل الفتنة كما حصل بعد اغتيال الحريري, وحتى اللحظة فإن وطن الأرز يقف على بوابة فصل دموي, مفتوح على كل الاحتمالات, وينتظر إشارة من خارج حدوده لعبور تلك البوابة القاتمة.
لبنان.. تداعيات اغتيال الحسن
[post-views]
نشر في: 21 أكتوبر, 2012: 07:32 م