أصدقائي الشعراء، أولاً، ثم من يحاولون الشعر، وبعدهم من يحاولون ويترددون، وأخيراً من يحبون الشعر.
أقول: لنكتب الشعر!
بدءاً، لا تسألوني "كيف؟" فالإجابة عند غيري ممن لديهم إجابات على الأسئلة كلها بلا غرور ولا تواضع.
الشعر لغز.. من يبحث عنه يجده ومن يجده يبحث عنه.
للشعر أسباب كثيرة، مثلما للعطش أسباب كثيرة في إعلان قديم للسفن أب.
لست متأكداً من أن العراقيين مؤهّلون للشعر، أكثر من غيرهم، لكنني متأكد من أنهم ذوو خيال خصب، ومن أرضهم السحيقة خرجت أولى الملاحم والأساطير الشهيرة التي بهرت العالم وحظيت بدهشته واحترامه، وبشأن هذا لست ممن ينظرون إلى الماضي بتبجيل خاص وحنين مرضي نظراً لبؤس حاضرهم وغموض مستقبلهم.. شخصياً، لا يهمني المستقبل ولا أعول عليه. ما يقلقني هو الحاضر.
المستقبل يخص أجيالاً أخرى ستعيشه، حلواً أو مراً، وهم المسؤولون عن جعله حاضراً يليق بهم، بخلاف حاضرنا التعيس، أو سيدمرون هذا الحاضر (الذي هو مستقبلهم) كما دمرنا ماضينا القريب وحاضرنا الماثل، وهذه مواد أولية يمكن أن تدخل في عداد الشعر، قدر ما يتعلق الأمر بفكرة هذا العمود.
بعض الشعراء يقولون، وأنا لست متأكداً، للمرة الثانية، مما يقولون، إنهم يكتبون شعراً "إنزياحياً"، "مفارقاً للسائد" فاعذرونا إذا لم تفهمونا، لأننا نكتب للمستقبل، ومع إدراكي لمقاصدهم وهي تنطوي على الجانب التقني/ الفني للنص الشعري، إلا أنني أعتقد أن الكتابة للحاضر أهم، خصوصاً إذا كانت أجمل، أي أصدق.
الإطلاع على تجارب شعراء العالم يساعدنا على تفهم الوضع بشكل أبسط، عندما نعرف أن الواقع المعاش والبيئة الاجتماعية اللذين يعيشون في كنفهما هما المادة الخام التي تشكل نسيج أعمالهم الشعرية.
لكن السؤال الشعري هو: كيف تتحول المادة الخام إلى قصيدة؟
الجواب بعدد أجوبة الشعراء إذ لدى كل شاعر جواب، ومن هنا تفرّدُ الشعراء واختلاف الشعر وتنوعه ولكنه، في نهاية الأمر، يبقى عملاً فنياً جميلاً، مهما تعددت الأجوبة واختلفت الرؤى وتبلبلت اللغات عبر الأرض والزمن والبشر.
قرأت مرة: "الشعر قوامه كلمات تخلق صوراً أو رسوماً في عقولنا. يمكن وصف تلك الكلمات بأنها ]أحسن الكلمات عند عزّ الطلب[. وثمة طرق متعددة لكتابة الشعر، فمن القصائد ما يمكن أن يسمع مثل الأغاني، وهذا يعود إلى الوزن والقافية، وثمة قصائد تخبرنا بأنها قصائد من دون أن نقرأ كلماتها. القصائد تتميز بالأسطر القصيرة بخلاف أكثر أنواع الكتابة الأخرى".... إلخ. وهذا تعريف أكاديمي، تعليمي، يتجاهل أشكالاً أخرى عديدة للشعر الذي لا يمكن سماعه ولا يكتب في جمل قصيرة ولا يتقيد بوزن وقافية وووو.
تلكم واحدة من فضائل الفن: تنوعه وانفصالاته وخروجاته ودخولاته مثل أولئك السحرة الذين يخترقون الجدران.
كل منّا يجد الشعر في هيأة، صورة، كلمة، منظر، حال، حرف، موقف، هناك في أبعد مدينة أو في أقرب زاوية شارع أو في عنكبوت تبني بيتاً في ركن غرفة نومك.
شخصياً، وجدت الشعر في أشكال ومناسبات عديدة، ولا تضحكوا منّي إذا قلت: وجدته مرة في بطيخة حمراء، حلوة مثل العسل، فتساءلت: كيف تأتّى لهذه الثمرة الساحرة أن تخرج من التراب؟
آخر مرّة وجدته في سطر من بيت "أبوذيّة" غناه مطرب ريفي عراقي معروف لمن يعرفونه وغير معروف لمن لا يعرفونه اسمه حسين سعيدة، من مدينة الثورة، يقول السطر: "إلك شمس بوسط روحي ولك ظل"!. طبعاً لا نعرف اسم القائل.
بعد هذا، هل سنكتب شعراً؟
لنكتب شعراً!
[post-views]
نشر في: 22 أكتوبر, 2012: 04:57 م