اعترض عضو مجلس محافظة نينوى نواف تركي الفيصل، على اتفاقية أبرمتها المحافظة مؤخراً مع منظمة اليونسكو لإعادة تأهيل منارة الحدباء التاريخية في مدينة الموصل، مطالبا باستفتاء علماء الدين حول مدى جواز تدخل المنظمات الدولية في تأهيل المنارة.
وقال الفيصل في الجلسة 152 الدورية للمجلس وحضرتها "المدى"، أن " نينوى أولى من اليونسكو بترميم المنارة التي تعتبر رمزاً لمدينة الموصل، والأمر يستوجب تشريعاً من علماء الدين، إذ ينبغي بيان رأيهم في مدى جواز قيام منظمة اليونسكو بترميم المنارة، كما يجب مراجعة الأمر من زاوية أخرى وهو المبلغ المرصود لعملية الترميم البالغ ثمانية مليارات دينار، ستدفع من اموال نينوى ".
وتساءل التركي أثناء إحدى مداخلاته في الجلسة "أين كانت اليونسكو عندما تأسست منارة الحدباء"!.
وطالب "رئاسة مجلس المحافظة، بتصحيح مسار الاتفاقية مع اليونسكو، لأن محافظ نينوى اثيل النجيفي عندما وقعها، لم يرجع إلى المجلس لبيان رأيه حول الأمر ".
وكان محافظ نينوى أثيل النجيفي قد وقع في أربيل في 22 من شهر أيلول الفائت، مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، مذكرة تفاهم لدراسة وتوثيق الاستقرارية والحفاظ على مئذنة الحدباء، بصفتها من المعالم الإسلامية العربية والعراقية.
ومنارة الحدباء، هي مئذنة مائلة نحو الشرق، مبنية من الجص والحجر، تقع في الجانب الغربي للجامع النوري، او ما يعرفه اهالي مدينة بالموصل بالجامع الكبير، يقع في الجانب الايمن لمدينة الموصل، وبحسب المصادر التاريخية، فأن من قام ببنائه هو أمير الدولة الاتابكية، نور الدين زنكي، عام1170ميلادية.
وعلى الرغم من وجود معالم أثرية أخرى كثيرة في الموصل، إلا أن منارة الحدباء بقيت الأشهر، حتى أضحت وبمرور السنين رمزاً يفتخر به أهل مدينة الموصل، والعراقيون عموماً، وصارت صورتها هدية تذكارية قيمة، وكذلك وضعت في الطوابع البريدية، وعلى النقود العراقية الرسمية (فئة 10000 دينار).
ويرى خبراء أن من الأخطاء الشائعة ما يتعلق بتسمية اشتهرت بها مدينة الموصل وهي (الحدباء)، إذ أن هنالك إجماعا بين المتخصصين، في أن هذه التسمية جاءت بسبب احتداب نهر دجلة قبل دخوله المدينة من الجهة الشمالية، وليس نسبة الى منارة الحدباء.
ويكون جسم المنارة الاسطواني، يرتكز على قاعدة منشورية، وكلاهما مزخرف، بارتفاع كلي يبلغ نحو 45 متراً، واكتسبت شكلها المائل، بسبب عوامل طبيعية اثرت في المواد التي بنيت بها، ولاسيما الجص، الذي يشكل جوفها.
ويرى متخصصون في الآثار ان الاستعانة بالخبرة الدولية، لإنقاذ معالم مدينتهم الأثرية من الاندثار، ويرى معظمهم ان التجربة اثبتت عدم مقدرة الكوادر العراقية، في القيام بذلك، مشيرين الى أن إسناد الامر الى مقاولين عراقيين غير متخصصين كما حدث مع سور مدينة نينوى الاثرية قبل سنوات، سيؤدي الى سحب الاعتراف الدولي بها، بسبب استخدام مواد تؤثر على قيمتها الأثرية.
كاتب وباحث آثاري مشهور في نينوى، (طلب عدم الإشارة الى اسمه)، قال في تصريح لـ "المدى"، أن سبب اعتراض عضو المجلس لتوقيع مذكرة التفاهم مع اليونسكو سياسي بحت، لكونه يمثل جهة سياسية معارضة للجهة أو الكيان السياسي الذي ينتمي إليه المحافظ، كما أن تصريحه بمنع اليونسكو من ترميم المنارة ينم عن جهل بهكذا أمور، لكون اليونسكو رممت وعبر العالم عدداً لا يحصى من المعالم الأثرية الإسلامية وغير الإسلامية، وهو لا يعرف أن الأمر يتعلق بالإرث الإنساني العالمي، وسيمنح ذلك الحدباء شهرة عالمية واسعة، قد توازي برج بيزا المائل في ايطاليا.
وتابع الباحث ان "مجلس المحافظة ذاته، كان قد رصد في شهر آب الماضي أربعة مليارات دينار لصيانة معالم نينوى الأثرية بينها منارة الحدباء، لماذا لم يعترض عضو المجلس وقتها، وطلب بتضمين قرار المجلس عدم التدخل الدولي في ترميم منارة الحدباء.
وعلى الرغم من إجراء عمليات صيانة عديدة على المنارة قبل وبعد عام 2003، إلا أن التشققات في قاعدتها اصبحت مثيرة للقلق، وأكدت الجهات الفنية في عدد من دوائر نينوى الحكومية، ان السبب في ذلك، المياه الجوفية أسفل المنارة، واكد خبراء ان كمية المياه كانت كبيرة جدا، وأن الامر يتطلب تدخلاً من جهات دولية متخصصة، وإلا فان مصيرها الانهيار.
ويقضي مشروع تأهيل الحدباء بقيام اليونسكو ببحث شامل حول مواد البناء والخصائص الجيولوجية والتحليل الهيكلي خلال فترة 12 شهراً، قبل اتخاذ القرار حول نوع الإجراء الترميمي الواجب اعتماده. وقد تمّ تحديد الأولويات الواجب معالجتها خلال زيارة ميدانية قام بها خبير في اليونسكو في حزيران 2012.
ويأتي برنامج التعاون هذا، وهو الأول من نوعه في المنطقة منذ 20 عاماً، ليقود مدينة الموصل في عملية اتخاذ القرارات الصائبة والقيام بالإجراءات المطلوبة من أجل الحفاظ على المئذنة المائلة التي جلبت الشهرة للمدينة الشمالية.
مسؤول لـ ( المدى) يطالب باستفتاء رجال الدين حول جواز تأهيل منارة الحدباء من قبل "اليونسكو"
نشر في: 22 أكتوبر, 2012: 06:01 م