حازم مبيضين
لم يعد هناك شك في فشل المبادرة, التي روج لها المبعوث الدولي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي, وطرحها رسمياً خلال زيارته لدمشق, لعقد هدنة بين طرفي الصراع خلال عيد الأضحى، فقد رد الطرفان المعنيان بالأمر بحذر, ذلك أن النظام السوري يرى في عقدها اعترافاً صريحاً بوجود ند له على الساحة, فيما هو يؤكد أنه يحارب مجموعة من العصابات الإرهابية المدعومة من الخارج, وإذا كانت بعض أطراف المعارضة رأت في الاقتراح بعض الإيجابية, فإن الجيش السوري الحر اعتبر أن اقتراح الهدنة هو فقاعة إعلامية, إذ لا يوجد من سيفرض الهدنة أو يراقبها, وأكد الموقفين أحمد بن حلي مساعد الامين العام للجامعة العربية, باعتباره أن هناك بارقة أمل ضعيفة في التوصل إلى وقف للنار, لأن رد الحكومة السورية والمعارضة, لا يبدي أي علامات على رغبة حقيقية في تنفيذ وقف النار.
الابراهيمي الذي اعتقد أنه بمبادرته سيتمكن من النفاذ إلى مدخل للحل, سيحمل معه فشل تلك المبادرة عائداً إلى نيويورك, لإحاطة مجلس الأمن بنتائج جولته التي لم ينتظرها المجلس, فعقد جلسة بحث فيها مشروع بيان, يؤيد الدعوة إلى وقف إطلاق النار في سورية خلال العيد كخطوة أولية لعملية سياسية, في حين تجري استعدادات حثيثة, وتتم دراسة خطط لإرسال قوة حفظ سلام الى سوريا للمساعدة في تحقيق حل للأزمة الناشبة فيها في حال قرر مجلس الأمن ذلك, فيما واقع الحال يؤشر إلى ضرورة توفر شروط أساسية لنشر تلك القوة, أهمها التوصل إلى وقف لإطلاق النار، يتبع بعملية سياسية, تتقيد بموجبها الحكومة السورية أولاً, ثم الأطراف الأخرى, بوقف تام لإطلاق النار, وكل هذا حراثة في الماء ما دام طرفا الصراع يتمسكان بمواقفهما.
في مجلس الأمن يتبارز اللاعبون الدوليون, وهم على مقاعدهم الوثيرة, ويحسبون نقاط فوزهم أو خسارتهم, غير عابئين بشلال الدم المتدفق, روسيا تقترح بياناً يدين بأقسى العبارات الاعتداء الإرهابي في منطقة باب توما بدمشق, ويعتبر أن الإرهاب بكل أشكاله واحد من أكثر التهديدات جدية للسلم والأمن الدوليين, فيما نائب وزير خارجيتها يسافر إلى طهران لبحث الأزمة السورية, في ظل رؤية عبر عنها وزير الخارجية, وهي تدافع عن الرئيس الأسد باعتباره ضامناً لحقوق الاقليات القومية والدينية، ويتمتع بدعم ما لا يقل عن ثلث الشعب السوري, ولنا ببراءة خبيثة أن نسأله عن حقوق الأكثرية, وعن ثلثي الشعب الذين يعترف هو بأنهم لا يؤيدون الأسد.
الولايات المتحدة غير معنية في الوقت الراهن بأي تطور على الأزمة السورية, إن لم يمس مصالحها بشكل مباشر, لكنها تعلن أن استمرار الأسد في السلطة يؤجج الميول المتطرفة, وأوروبا العجوز ربطت مواقفها بواشنطن, منتظرةً إنجاز انتخاباتها الرئاسية, والعالم العربي منشغل بموسم الحج وما يليه من أفراح العيد, وجامعتهم العتيدة تنتظر فشل الهدنة, لمواصلة مساعيها وجهودها, لأن هناك مسؤولية إنسانية وأخلاقية على الجميع, وبعد كل ذلك يوجه الإبراهيمي النداء البائس إلى الجميع, لأن يتوقفوا بقرار منفرد عن استعمال السلاح أثناء العيد، وبحسن نية يبدو ساذجاً, يشير إلى أن كل طرف يمكن أن يبدأ بهذا متى أراد, وليس مهماً أن يكون هذا اليوم او غداً.
قلنا سابقاً ونؤكد اليوم أن مبادرة الإبراهيمي محكومة بالفشل, حتى وإن لقيت تأييداً من الدول الداعمة للأسد أو لمعارضيه, وإذا كانت هدنة لثلاثة أيام استوجبت كل هذا الأخذ والرد, وفشلت في النهاية, فكيف لنا أن نتوقع نجاح مهمته بالكامل, والتوصل إلى حلول للأزمة المتفاقمة والتي تحصد يومياً أرواح المئات من الأبرياء.
هدنة الإبراهيمي الوهمية
[post-views]
نشر في: 23 أكتوبر, 2012: 07:33 م