TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عبد متسلط

عبد متسلط

نشر في: 24 أكتوبر, 2012: 04:52 م

"كلما دخلتْ أمة لعنتْ أختها" هذه حال حكوماتنا التي لا تخلي إحداها المكان لأخرى إلا بقوة السلاح، بانقلاب عادة، أو بحرب يشترك فيها العالم كما في مثالنا الأقرب حين أتتْ أمريكا من وراء سبعة بحار لتسقط صنم صدام وتطارده في الحفر حتى عثرتْ عليه وجهاً ملتحياً يليق بمشنقة.
لكنّ الغريب، أن كل هذه الحكومات التي أتتْ بقوة السلاح، وثبتتْ أركانها به وبمال النفط المفرهد دائماً، تسعى إلى تأبيد نفسها متوهمة أنها لن تترك العراق إلا في يوم القيامة، وفي استغراقها بهذا الوهم تصرف أموالاً طائلة على السلاح الضامن لإسكات من يعارضها، وعلى محاولات مستميتة لتغيير معالم البلد كما تشتهي.
غيّر صدام جغرافياً العراق، طمر الهور، غيّر الخارطة فأعطى أرضاً عراقية هبة لكل الجيران المحيطين بنا، أبدل أسماء المحافظات والمدن والشوارع، غيّر أسماء المؤسسات التي تحمل اسماً غير عربيّ ، عقد مرة مؤتمراًَ لأيام عدة لتغيير اسم شارع أبي نؤاس وجعله الشارع العباسيّ على اعتبار أن أبا نؤاس فارسيّ، وربما أقنعه عقلاء بأن أبا نؤاس ـ شاعراً ورمزاً ثقافياً ـ يحمل عروبة أكثر مما يحمل هو وحزبه العربيّ.
مناسبة هذا الحديث محاولات جرت وتجري منذ 2003 إلى تغيير معالم بغداد وأسماء أحيائها وساحاتها، هناك جسور سميت باسم رموز عقائدية تماشياً مع السائد من القيم التي باتت مهيمنة، واليوم يراد أن تزال نصب بدعوى أنها تمثل العهد المباد، وكان مثال ساحة النسور خير مثال على جهل الحكوميين بتأريخ العراق الحديث، فالنصب أقيم سنة 1969 وهو معبر عن نكسة حزيران، لكن مسؤولاً كبيراً في وزارة الثقافة أسرّنا أن اسم النسور يثير الريبة فقد أشيع أن النصب تخليد للطيارين الذين ضربوا إيران. هذا الجهل مخزٍ، وأكثر خزياً منه أن نجامل جارتنا الإسلامية أو نسهر على تلبية رغباتها بناء على شائعة ليس إلا. فالنصب أقيم قبل أن يظهر اسم صدام نجماً في سماء غارت عنها النجوم شيئاً فشيئاً ولم يبق فيها نجم إلاه.
في كتاب لمجلس الوزراء نشرناه أمس محاولات لتغيير أسماء شوارع وساحات بأسماء رموز عقائدية. استذكار هؤلاء الشهداء والعلماء أمر حسن طبعاً، لكنْ ليس على حساب تأريخ نريد لآثاره أن تخلد، لتذكرنا بوهم خلود أصحابها.
لو كان كل ساسة العالم على قدر جهل ساستنا وبلادة مستشاريهم لما بقيتْ إهرامات مصر ولا بوابة عشتار ولا زقورة أور ولا سور الصين. ومع أن أغلبهم عاش في إيران الإسلامية ورأى متحف الشاه محفوظة فيه آثاره كلها حتى الضئيل منها، إلا أن المعرفة وحسن التدبير لا يسقطان على رأس ابن آدم لمجرد أنه أصبح فجأة ذا مال كثيرٍ بسلطة أتته صدفة.
الرؤية الكونية للتأريخ تحتاج إلى أحرار ذوي أفق معرفي واسع وطلاقة روح. والعبد الجهول لن يكون حراً حتى لو أصبح متسلطاً. بائس ومسكين ذلك الشعب الذي يحكمه عبيد متسلطون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 8

  1. أ.د عبدالكاظم ماجود

    نعم انهم عبيد بامتياز .فالحر هو الذي يمتلك حريته كاملة بيده , وهذا لايحصل الا اذا كان الانسان ذو معرفة. فالمعرفة هي الاصل , والانسان لايكون حرا الا اذا تحرر من الخرافة . هؤلاء اسرى للخافة والوهم ولفسادهم المالي والاداري .

  2. مهدي المولى

    لا شك ان يوم 9-4=2003 يوم فاصل في تاريخ الشعب العراقي يوم انتقال الشعب العراقي من العبودية الى الحرية لهذا فهذا اليوم هو بدايةالعراق لهذا على العراقيين رفض كل ما صنعته وخلقته العبودية والذل

  3. فؤاد العراقي

    العبيد أنقى من هؤلاء لان العبيد لم يختاروا ان يكونو عبيدا بينما هؤلاء اختارو ان يكونو عبيدا أذلاء

  4. منار الانباري

    من المعيب جداً ان اصدق ان للعراق دوله ديمقراطيه . وبرلمان وانا استغرب ان الجميع يتهافت امام التلفاز يصرخ ويعري الطرف الاخر !!!!ناطق باسم رئيس الوزراء يدافع عن خطاء بخصوص البطاقه التموينيه وسلاح الروسي اما تغير اسماء الشوارع فحدث ولا حرج !!! انا اعيش في

  5. قاسم العراقي

    فعلا أن هذا المقال هو كلمة حق يراد بها باطل وإلا مامعني أن يقول أن صدام وحزبه غيروا كل شئ ثم يعترض لتغير ما تم تغييره اصلاًً فمثلاً لماذا تكون في بغداد ساحة باسم ساحة جمال فما دخلي أنا كعراقيين بجمال هذا وهنالك عشرات الاسما التي لاتمت بصله لا للعراق ولا ل

  6. فاروق الشمري

    الذي اعتقده ان هذا النصب تم انشائه تخليدا لسقوط الطائره التي كان يقودها الطيار فهد السعدون احد الطيارين من انقلابيي 8 شباط المشئوم عام 1963 والذي اسقطت طاترته بنيران المدافعين في مقر عبد الكريم قاسم حيث سقطت الطائره في هذا المكان

  7. Lana mosawi

    أحبتي عشت في لاهاي بهولندا لسنوات وقد كنت اسكن منطقة اغلب أسماء شوارعها أسماء لبقرات (هوايش)

  8. علي السيد خصاف

    في العراق الكثير من الوعي والثقافة والقدرة على تمييز المعاني والكلمات والرجال القادرين على تقييم الامور

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram