TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أمريكا وأقلية لا تصلي في الصف الخلفي

أمريكا وأقلية لا تصلي في الصف الخلفي

نشر في: 24 أكتوبر, 2012: 06:33 م

نحو ٣٠٠ مليون امريكي يقومون في العادة بانتخاب نصف مليون امريكي لشغل اهم المواقع في الحكومة الفدرالية والولايات. انه رقم اطلع عليه لاول مرة وانا احاول فهم واحد من اعقد النظم الانتخابية في العالم عبر حوار مع اساتذة جامعات امريكان ومسؤولين انتخابيين وممثلي المجتمع. انهم هنا يعمدون الى اسلوب الانتخابات لحسم الصراع على منصب قائد شرطة الناحية والقضاء والمدينة والولاية. ينتخبون القاضي والمجلس التعليمي وبرلمان القرية ومجلس شيوخ مركز الولاية.. لا يوجد مواطن في العالم ينتخب بهذه السعة والشمولية، وحين تتعب من فهم نظام الانتخابات المعقد يأتيك الجواب: نحن ٥٠ دولة ١٤ منها كبيرة و٣٦ صغيرة، تصارعنا وتحاربنا ثم قررنا ان نعيش معا في ظل دولة عظمى، وكانت المدن الصغيرة تخشى ان تقع تحت رحمة المدن الكبيرة لان الديمقراطية يمكن ان تجعل الاغلبية تمارس الاستبداد على الاقلية، فقمنا بتصميم نظام معقد جدا يحمي الاقلية ويجعل نيويورك العظيمة خائفة من ان تقوم ولاية نيفادا الصغيرة بتغيير نتائج انتخابات الرئيس والكونغرس.

كعلماني عراقي اجد نفسي دوما اتعرض للاذلال في العراق فأغلبيتنا المناصرة للتيار الديني تقول في الغالب لامثالي: اصمتوا نحن الاغلبية وعليكم ان تتحولوا الى عبيد لنا تأكلون وتشربون كما نريد، وتفكرون طبق ما نشتهي، وتسبحون بحمد حكومتنا لانها حصلت على اعلى الاصوات!

اما في امريكا فتشعر ان الاغلبية محترمة لكن الاقلية محترمة ايضا، وحين قرروا ان يعيشوا معا قدموا تنازلات متبادلة تقلص مساحة الظلم الى حد كبير.

ان الحضارة هي التنظيم الدقيق للقوة والضعف، وللعدل والظلم ايضا. الكونغرس فيه مجلسان، في مجلس النواب يمكن لممثلي ولاية نيويورك ان يكونوا اكثرية، ولكن في مجلس الشيوخ تمتلك نيويورك الكبيرة ونيفادا الصغيرة مقعدين متساويين، كي لا يظلم الكبير الصغير وكي تتمسك امريكا باتحاد الولايات اي الدولة الكبيرة، وبحقوق كل ولاية على حدة. لا يمكن تمرير القرارات المهمة الا اذا اتفق اغلبية الولايات الكبيرة في مجلس النواب، مع اغلبية الولايات الصغيرة في مجلس الشيوخ.

تقول في العراق ان الديمقراطية تحترم الفرد كما تحترم الجماعة، فتعرض نفسك الى السخرية. اما في امريكا فإن الاغلبية ادركت انها ستخسر كثيرا لو انفصلت عنها الاقليات واهالي الولايات الصغيرة فقام الاكثر عددا بتدليل الاقل عددا لاقناعهم بالبقاء داخل الاتحاد الامريكي الفدرالي الكبير.

الحداثة والتطور تبدأ في الولايات ايضا لا في واشنطن. دخول المرأة في الانتخابات بدأ في ولايات صغيرة ثم اقتنع به باقي الامريكان، ولم يستحوا من الاخذ بمقترح الاقلية. الاقلية هي جماعة انسانية محترمة لا يحق لاحد ركلها على المؤخرات كما يفعل جنود السلطان معنا في العراق.

اننا نختلف في العراق حول حق البصرة واربيل بتشريع قوانين لتنظيم شؤون الميناء او المنافذ الحدودية، بينما الحكومة في واشنطن لا تتدخل في عمل الولايات الا بنسبة ١٣ في المائة، واهالي الولاية هم الذين يقررون كيف ينبغي رسم مصائرهم. لقد اصبحوا امريكان لانهم حاصلون على حقوق توازي حقوق الاغلبية. لكل ولاية حرسها الوطني وهو بمثابة شرطة خاصة او جيش صغير يحفظ الامن ويرأسه حاكم الولاية. اما جيش امريكا فلا يتدخل الا حين حصول اعتداء من الخارج.

لا خيار حين تريد بناء دولة في مجتمع متعدد الا بأن تكون دكتاتورا تخضع الجميع بالسيف. او ان تتعلم من الاباء المؤسسين لامريكا كيف يمكن اقناع الاعراق والطوائف والجماعات المحلية بأن يقبلوك حاكما عليهم. متى سنفكر هكذا نحن العراقيون او الشرق اوسطيون الذين نعيش اليوم حيرة كبرى في العثور على طريق يتيح ان نعيش معا، في زمن القتل الطائفي وصعود قوى التشدد واستخدام الانتخابات لإخضاع وإذلال الأقل تمثيلا؟

إن اطرف ما سمعته في واشنطن اليوم حادثة عن مسلمات متدينات امريكيات، لم يجدن مبررا للصلاة في الصفوف الخلفية. انهن امريكيات وتعلمن ان الفرد محترم رجلا كان او امرأة جمهوريا كان او من الهنود الحمر. ذهبن الى امام الجامع قائلات: لا فرق بين مواطن وآخر فلماذا تجبرنا على الصلاة في الصفوف الخلفية؟ هل لديك اية قرآن تطلب من المسلمة ان تقف خلف الرجل في الجامع؟ وحين لم يعثر صاحبنا على نص قرآني حول هذا بصراحة الدساتير، وجد نفسه مجبرا على قبولهن في الصف الاول، وبعض المؤمنات ذهبن ابعد من هذا وحصلن على منصب إمام الجماعة، في بلاد تدلل الاقليات السياسية حفاظا على عظمة الدولة وهيبة الاغلبية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. بطران

    الحديث اعلاه مفرح ومؤلم بنفس الوقت..مفرح لان صحفي سنحت له الفرصة ان يطلع وفد يفيد ويستفيد.. لكن مؤلم وبالحقيقة مؤلم جدا..ان نسطر ربع الحقبقة..اولا وقبل كل شئ فان كل الذي ذكر هو صحيح مئة بالمئة..وهي بديهيات لمن يريد ان يطلع و لا تحتاج اساتذة جامعات او كذ

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: اغلقوا النوافذ

العمودالثامن: الكاتب الحقيقي

العمودالثامن: مطاردة الرأي الآخر!!

العمودالثامن: جمهورية قص اللسان

العمودالثامن: طائفي موسوعي

 علي حسين كان الشاعر الزهاوي على جانب كبير من الظرف والفكاهة، وينقل لنا المؤرخ الراحل خيري العمري أن الملك فيصل الأول طلب من الزهاوي أن يكون على رأس الوفد الذي يستقبل شاعر الهند...
علي حسين

قناديل: يانصيب لنوبل الأدب

 لطفية الدليمي ربّما كان من مصادفات الحظ غير الطيب أن أنغمس في قراءة رواية (الأخوة كارامازوف) لديستويفسكي في الشهر الماضي وبداية الشهر التشريني الذي يشهد إعلان جوائز نوبل السنوية. عندما حاولتُ قراءة رواية...
لطفية الدليمي

قناطر: السحر المستودعُ في (العربي)

طالب عبد العزيز في (المكتبة العلمية) وهي واحدة من أقدم المكتبات في البصرة، والتي يديرها الصديق د. حسين، جلست منتظراً أحد الأصدقاء الكُتبيين، ومن رفٍّ قريب في الواجهة فوجئت بأكثر من عدد لمجلة (العربي)...
طالب عبد العزيز

الشرق الأوسط صراع بين القديم والجديد

إياد العنبر يخبرنا تاريخ الشرق الأوسط، أن هذه المنطقة عصية على التغيير في بنية علاقات دولها الإقليمية عن طريق مشاريع التنمية والشراكات الاقتصادية الاستراتيجية. فهي تصر على أن لا يكون هناك أي تغيير في...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram