TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > اتركوهم وراء الجدران

اتركوهم وراء الجدران

نشر في: 24 أكتوبر, 2012: 06:36 م

للمرة الثالثة على مدى ثلاث ليال متتالية أرى، وأنا أمرّ بأحد الشوارع المطلة على دجلة بغداد وأعبر أحد الجسور، دوريات أمنية تلاحق مجموعات من الشباب افترشوا الأرض ليتناولوا المشروبات الكحولية في ما يبدو.

مقدماً أقول انني - وإن كنت أناصر حق الناس في أن يأكلوا ويشربوا ويلبسوا ما يشاؤون وعلى هواهم باعتبار ان هذا من الحريات الشخصية المحض التي يتعين على الدولة كفالتها ورعايتها التزاماً باحكام الدستور وبشرعة حقوق الانسان والمعاهدات والاتفاقات الدولية ذات العلاقة، - لا أدعو الى ترك الشباب يتناولون المشروبات الكحولية في الطرقات والأماكن العامة المفتوحة. لكن ما الذي يجعل هؤلاء الشباب يُقدمون على هذا؟

انه السلطات الأمنية التي كلما خطر في بال أحد من كبار المسؤولين عنها، لسبب ما، صالت صولة جديدة على النوادي الاجتماعية فتُغلقها، بما فيها المجازة رسمياً، وتُعامل روادها معاملة فيها الكثير من عدم اللياقة ومن خرق القانون.

وانه الفراغ الكبير في حياة الشباب، فلا نوادي رياضية واجتماعية وثقافية تنتشر في الأحياء والضواحي يمضي فيها الشباب أوقات الفراغ ويقتلون الملل والسأم، ولا مكتبات عامة تجتذبهم اليها فترفع من مستواهم الثقافي، ولا صالات سينما ومسرح  وموسيقى وغناء ترقّي أذواقهم وتُشغلهم عن حياة الشارع.

ماذا يفعل الشباب الذين يعانون من البطالة وانغلاق آفاق المستقبل؟

ثمة من يتجه الى المشروبات الكحولية وآخرون الى المخدرات، بل لا يتردد البعض عن الالتحاق بعصابات الجريمة المنظمة ، وحتى الإرهاب. وبين هذه الفئات الثلاث فان متناولي المشروبات الكحولية هم الأقل ضرراً أو خطراً، إن كان ثمة ضرر أو خطر في ذلك.

لكن السلطات الأمنية بتنظيمها الحملات المتواترة ضد النوادي الاجتماعية والحانات هي التي تفتح الأبواب أمام هذا الضرر أو الخطر لكي يخرج الى الشارع والأماكن العامة كالحدائق.

الوظيفة الرئيسة لأجهزة الأمن تتمثل في حفظ الأمن والنظام، وما يُهدد الأمن والنظام في بلادنا أكثر من غيره هو جماعات الإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة، ومن المفترض أن تكرّس أجهزة الأمن جلّ اهتمامها ونشاطها لدحر هذه الجماعات والعصابات التي لم تزل تتصرف كما لو انها في مأمن من الخطر لانصراف أجهزة الأمن الى ملاحقة الشباب الذين تصرّ هي على طردهم من النوادي الاجتماعية والحانات.

المعركة مع متناولي المشروبات الكحولية - إن كانت الأجهزة الامنية وسواها قد وضعتها على أجندة معاركها وحروبها – هي معركة خاسرة، والاستمرار فيها عبث لا طائل فيه. دول كبيرة وحكومات شديدة البأس حاولت في عهود وأزمان مختلفة وفشلت، ولم تزل تحاول وتفشل (اسألوا إيران والسعودية)، ودولتنا ليس في إمكانها، ولو بعد قرن من الآن، اجتراح معجزة فشلت في تحقيقها الجارتان الكبيرتان.

التفتوا الى الإرهاب والى الجريمة المنظمة ، واتركوا الشباب المسالم يخفف من معاناته ويستمتع بوقته في سلام وأمان وراء الجدران.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. اكرم مردان

    على ما يبدو ان الحكومه المبجله انهت كل واجباتها امام شعبها فتوجهت لحل المشاكل الاخرى فلا عطاله ولا قلة مدارس بحيث كل بناء يدرس فيه ثلاث وجبات ولا ارهاب ولا مفخخات .انا لله وانا اليه راجعون.

  2. صباح الطالقاني

    كل عام وانتم بخير استاذ عدنان يا سيدي العزيز في كل بلدان العالم هناك ضوابط لتناول المشروبات الكحولية ومنها منع ذلك في الاماكن العامة، فلماذا هذا التحامل على القوات الامنية التي تنزف دماءا كل يوم دفاعا عنّا. وبالنسبة للمقارنة مع ايران والسعودية فالعراق لم

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram