تذهب الى الدكان. تطلب فواكه مجففة، فيخيّرك المعروض بين التركي والسوري والايراني. وتسأل عن المربيات فلا تجد بين المعروض غير التركي والسوري والإيراني أيضاً. تستفهم عن العراقي فيجيبك البائع بنظره مندهشة: ماكو! حتى الفواكه الطازجة تجد العولمي منها (نسبة الى العولمة، وهو المستورد من الجيران والبلدان البعيدة) ينافس الوطني بشراسة لانخفاض أسعاره.
بدعوة من صديق كريم أمضيت ثلاثة من أيام العيد في إقليم كردستان، اثنان منهما في منطقة برواري بالا وما يحيط بها.. كانت عطلة رائعة مع الطبيعة الساحرة والهدوء الساحر والأمن الساحر هو الآخر. مع ذلك لم تخلُ مما يتسبب في غصة في الحلق وأسى في النفس، فثمة تفاصيل في الصورة ناقصة أو غائبة لو حضرت كانت الصورة الكاملة ساحرة هي الأخرى.
تشتهر برواري بالا بفواكهها وبخاصة التفاح. وكلما التقيت الصديق عبدالسلام برواري سألته عن تفاح برواري فيجيبني:"دمره تفاح العولمة". كيف يا صديقي؟ يقول: تفاح العولمة أرخص وأطول مكوثاً في الدكاكين والمخازن.
الآن هو موسم التفاح في برواري. وتفاح برواري بالا يُثقل على أشجاره، والساقط منه يغطي أرضيات بساتينه. أفكر بان هذه الكميات الكبيرة من التفاح ألم يكن جديراً بان تأخذ طريقها إلى الأسواق بدلاً من فواكه العولمة أو إلى معامل المربيات والفواكه المجففة؟ يجيب أهل برواري بان تكاليف النقل إلى المدن مرتفعة، أما المعامل التي أفكر بها فلا وجود لها.
في موازنة العام المقبل تقترح الحكومة 19.86 ترليون دينار (16.5 مليار دولار) للأمن والدفاع و4.2 ترليون دينار(3.5 مليار دولار) للزراعة والصناعة معاً. أتساءل في داخلي وأنا أرى تفاح برواري بالا يفسد في بساتينه (مثله بالتأكيد تفاح ديالى وكربلاء وسواهما من الأقصى الشمالي للعراق حتى أقصاه الجنوبي، ومثله أيضا البرتقال والرمان والعنب وسواها من الفواكه والخضار الوطنية).. أتساءل: ما ضرّ لو أنقصنا نفقات الدفاع ثلاثة تريليونات دينار أو أربعة وأضفناها إلى موازنة الزراعة والصناعة؟
ما من عراقية أو عراقي يريد أن نحارب أحداً، فلا نحتاج الى الأسلحة الفتاكة .. نحتاج فقط الى أجهزة فحص ومراقبة وكشف متطورة لملاحقة الإرهابيين وإبطال مخططاتهم والأسلحة والذخائر التي تكفي لحفظ الأمن الداخلي.
ثلاثة تريليونات دينار أو أربعة كفيلة بأن تُحيي أراضي بوراً أو متصحرة وتقيم مشاريع ري وبزل وتنشئ معامل لتجفيف الفواكه وصنع المربيات منها، فنحول بذلك دون خروج دولاراتنا إلى تركيا وسوريا وإيران وسواها، ونُمكّن زراع التفاح وسواه في برواري بالا وغيرها من الانتفاع بمحاصيل بساتينهم .. وكذلك، وهذا مهم ، ان نمكن مواطنينا من التغذي بتفاح برواري بالا ذي الطعم اللذيذ وسواه من فواكه الوطن وخضاره.
من أين لنا العقلية التي تفكر بالتفاح والعنب والرمان والحنطة والذرة والشعير والطماطة والخيار أكثر مما تفكر بالطائرات الحربية والدبابات؟
محنة تفاح برواري
[post-views]
نشر في: 30 أكتوبر, 2012: 11:00 م