إنه مقر متواضع جداً للحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه أوباما إذا عرفنا انه المقر الحزبي الرئيسي في ولاية جورجيا ذات الثمانية ملايين نسمة. انني اكتب الآن وانا أتسكع بهدوء وحدي في شوارع مدينة اطلانطا عاصمة الولاية والساعة تشير الى الثانية فجرا بتوقيت الساحل الشرقي. لا ادري لماذا تأخرت حتى هذه الساعة لكني ادري ان المقر الحزبي الذي يدير حملة انتخابية متقنة بين ٨ ملايين نسمة هنا، كان مجرد كرفان كبير مثل تلك التي تخصص لسكن الحمايات في "دربونة" أي عضو مجلس محافظة لا يسكنها مليون نسمة.
امشي في شوارع خالية تماما من الناس رغم أنهم بلا حظر تجول كالذي يكبل بغداد. أتخيل عشرات الأشباح التي عرفناها في أفلام هوليود وهي تتسكع معي الآن. وأحاول ان أشركها معي بتفاصيل حوار من ساعتين مع سيناتور ديمقراطي وسيدة لم تهزم في أي انتخابات منذ ربع قرن رغم محاصرة الجمهوريين لها في ولاية البيبسي كولا. لكنني افكر أكثر بحثا عن جواب لسؤال طرحه زملائي هنا: لماذا ينام الأمريكان مبكرا بينما تسهر القاهرة واسطنبول وخمسة ميل؟ قلت لهم: إن على الأمريكي ان يصحو مبكرا كي يصنع جهاز اي باد او سيارة فورد او يقوم بتغيير بضعة رؤساء في الدول المسكينة، اما نحن فنصحو متثاقلين إذ لن نصنع أي شيء سوى تجربة الروتين اليومي حيث يجري تفتيشنا تسع مرات قبل الوصول إلى الباب الشرقي.
السيناتور الديمقراطي يسأل ونحن نسأل طيلة ساعتين. لم نجد جوابا يشفيه ولم يعثر على إجابة تسكتنا. قلت له: ألم تسخروا من أنفسكم حين منحتم المالكي مساعدات عسكرية بملياري دولار مؤخرا بينما انفق ٤ مليارات على اسلحة روسية تقربنا من كوريا الشمالية والسيد احمدي نجاد؟
شعر السيناتور بفزع وطلب من مساعده ان يجهز له معلومات عن الموضوع صباح الثلاثاء، وسألني عن رأي ليبراليي العراق بأوباما الليبرالي. قلت له: المفارقة ان شريحة واسعة من ليبراليي العراق يفضلون خصمكم الجمهوري رومني رغم انه متدين متشدد من المورمن، وسبب ذلك ان أوباما وقف مع كل متظاهر او ناشط مقموع في العالم غير انه لزم الصمت امام شرطتنا وهي تعتدي على الناشطين والعلمانيين في اكثر من مناسبة، لان السيد اوباما يريد ان يوهم الامريكان بأن لديه حليفا طيب القلب يحكم بغداد! طلب منا السيناتور ان ندون الملاحظات ليناقشها مع حزبه فقال له الزملاء ان العراقيين يكررون ملاحظاتهم هذه كل يوم في وسائل الاعلام وهي ليست سرا وقد سبق السيف العذل. يقول السيناتور: عليكم اذن ان تنتخبوا واحدا آخر، دون ان يدري كم بات صعبا ان يفوز معتدلون فقراء على متشددين ابتلعوا اموال الدولة ونفوذها ومؤسساتها بدعم من البيت الابيض. ورحنا نسأله عن السر في تواضع مقرهم الحزبي الرئيسي. الرجل يقول: بعد انهيار الاسواق وتعثر الاقتصاد صرنا نستحي ان نبقى في بنايتنا الفارهة فاستبدلناها بهذا الكرفان لنوظف باقي الاموال في انشطة مفيدة. ومع ذلك فان الاقتصاد المنهار استطاع ان يجمع تبرعات بقيمة ملياري دولار لصالح اوباما الذي تقوم حملته بالاتصال هاتفيا بملايين الناخبين لحثهم على التصويت.
مساءً كنا في ضيافة عائلة أميركية طرحوا علينا ملايين الأسئلة حول العراق. لكنني استوقفتهم عند حكاية منع التدخين في كل غرفة تقريبا داخل حدود أمريكا. قلت لهم: حين كنا صبيانا مراهقين بدأنا ندخن تأثرا بالكاوبوي الوسيم الذي يمتطي حصانا وفي فمه سيكارة، في دعاية مارلبورو والتبوغ الفرجينية الشهيرة. وبعد ادمان التدخين بوصفه "خطيئة مارلبورو" الأميركية، جئنا الى امريكا ولم نجد الحصان ولا الكاوبوي الوسيم ولا السيكارة، فأنا ممنوع من التدخين حتى في غرفتي الخاصة في الفندق ذي النجوم الثلاثة. كيف ورطتمونا بهذه البساطة؟
في عرين اوباما كنا نؤيد الآلاف من النخبة الأمريكية والمعترضين على السياسة الخارجية لحكومة الحزب الديمقراطي. رحنا نطرح سؤالا مشابها لمأزق إعلان المارلبورو، ففيالق امريكا ومنظماتها أقنعتنا بالخيار الديمقراطي والفيدرالي والشفافية والحوكمة والعولمة، ثم حين أدمنا هذه الأحلام وجدنا انفسنا امام حكومة عراقية تريد التحكم حتى بالفيسبوك، واوباما لا يهمه سوى إثبات أن لدى بغداد سلطانا طيّب القلب! أليست ورطة مشابهة قد تجعلنا مثل السعودية، اي حكومة صديقة للغرب في الاقتصاد، ولا تتورع عن الاستبداد بمبررات كثيرة سيتفهمها غرب يحب النفط والبيبسي كولا؟
السيناتور الاسمر يقدم لنا حلوى كان يحبها أفارقة ميامي، ويؤكد أن على ليبراليي العراق صناعة لوبي في واشنطن لإفهام الكونغرس هذه المشاكل، وهو لا يعلم ان ليبراليينا يتلكأون حتى في تنظيم ندوة مختصرة، في الغالب. أن الرئيس مشغول الآن بالإعصار ساندي عن سماع تفاصيل اي إعصار عراقي. وأعاصير امريكا الرهيبة ستجعلنا ننتظر طويلا كما يبدو، خيولا أكثر أصالة، من البيت الأبيض ونستهلك المزيد من نيكوتين فرجينيا.
سيكار للعراقيين وخيول من أوباما
[post-views]
نشر في: 30 أكتوبر, 2012: 11:00 م