لم نتوقع سريان هدنة حقيقية بين الإخوة الأعداء المتقاتلين في سوريا, وهي التي رأى فيها المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي خطوة أولى, قد تقود إلى حلول ما زالت غامضة, لم يفصح عن مضمونها, ولم يكن توقعنا من باب التشاؤم, بقدر ما كان يستند إلى فهم لمواقف طرفي الصراع, فالنظام يتعامل مع معارضيه باعتبارهم عصابات إرهابية مخربة مدعومة من الخارج, وليس على أساس أنهم مواطنون يطالبون بحقوقهم, والمعارضون من جانبهم اشترطوا رحيل النظام بكل رموزه, ابتداءً من رئيس الجمهورية, وحتى آخر بعثي, وبديهي أن فهماً كهذا عند الطرفين لن يؤدي إلى هدنة, وإن كانت تقتصر على أيام العيد, ولن يفضي إلى طاولة حوار بين طرفين يختلفان في الرأي, ويبحثان عن مخرج من الأزمة المستمرة دماً وخراباً, منذ ما يقرب من سنتين.
لم تكن الهدنة المقترحة أكثر من استراحة بين معركتين يعد لهما الطرفان, وكل منهما يتهم الآخر بخرقها, نتيجة الفهم المتباين لطبيعتها, فالمعارضة ترى أن التظاهر حق مشروع للمواطنين, وهو خارج الاتفاق على وقف إطلاق النار, فيما يرى النظام في أي تظاهرة, استمراراً من نوع مختلف لنشاط الجماعات التخريبية, وهو على استعداد لقمعها بكل الوسائل المتوفرة بين يديه, وهذا بالنسبة للمعارضين خرق للهدنة يستحق الرد, وحتى مع اعتبارها استراحة فإنها لم تصمد منذ لحظتها الأولى, وتم خرقها بكل الطرق المتاحة عند كلا الفريقين, ولنا أن نتذكر أنهما أكدا على حقهما بالرد بالتزامن مع قبول هدنة العيد.
الجيش النظامي تعهد بالقضاء على معارضي الأسد, باعتبارهم " مجموعات إرهابيةً مسلحة, تواصل خرقها الفاضح لوقف العمليات العسكرية, مما يحتم استمرار التصدي لها, وملاحقة فلولها والضرب بيد من حديد لاجتثاثها, وتخليص الوطن من شرورها ", وهدد واحد من أعضاء مجلس الشعب بطرد المقاتلين إلى الدول المجاورة, وسمى الأردن تحديداً, وقال إن ذلك سيتم باللجوء إلى الطيران الحربي, وأضاف أن على الأردن تحمل عواقب ذلك, والمعارضة من جانبها, وبسبب من تعدد قياداتها, لم تتمكن من ضبط الأمور, خصوصاً وأن بعض الفصائل أعلنت سلفاً عدم التزامها بهدنة العيد, وكانت النتيجة أن أحداً لم يلتزم بتنفيذ مبادرة الإبراهيمي, ولعل الإيجابية الوحيدة فيها أن عديد القتلى خلال أيام العيد الثلاثة انخفض إلى نصف ما كان عليه قبلها.
كان للهدنة أن تنجح وتفضي إلى طاولة حوار, لو أن طرفي الصراع لم يقررا مسبقاً عدم إمكانية التصالح مع الطرف الآخر, الذي يتوجب القضاء عليه, والتخلص منه نهائياً, النظام يتهم معارضيه بأنهم عصابات إرهابية مسلحة مرتبطة بأجندات خارجية " رجعية إمبريالية صهيونيه ", وهو بعد ذلك سيرتكب خطيئةً بحق الوطن إن تعامل معها بغير الاجتثاث, والمعارضة تكيل التهم للنظام بأنه " طائفي دكتاتوري متسلط فاقد للشرعية ومتصالح سراً مع إسرائيل " فكيف لها قبول استمراره بأي صورة من الصور, وكلا الطرفين يستحوذ على امتدادات خارجية لامصلحة لها بسيادة الهدوء في سوريا, ومع ذلك طرح الإبراهيمي مبادرته وواصل جولاته المكوكية بين عواصم العالم, باحثاً عن مفتاح سحري, لفتح باب أحكم طرفا الصراع إغلاقه, وسدوا كل النوافذ التي يمكن منها تلمح بارقة أمل.
قبل الطرفان الهدنة ولم يلتزما بها, ما يزيد الأمور تعقيداً, ويفرض على المبعوث الدولي ومن ابتعثه البحث عن حلول منطقية وحقيقية, تنهي الأزمة السورية, وهم يعرفون جيداً هذه الحلول وإن لم يلجأوا إليها حتى اليوم لأنها تتعارض مع مصالحهم.