الضحك، هو ردة فعل يستجيب الإنسان لها لمواقف مثيرة كالطرب والفرح والازدراء. لكن عند العراقيين تضاف له مسببات أخرى قد لا تضحك غيرهم من الشعوب. فقد يضحك العراقي عندما يخاف أو يحزن أو ينوي الانتقام. أذكر عندما كنا في أيام الابتدائية، أو أيام "الشيطنة" كما يطلق عليها بعض الآباء، أقدم طفل منا على إخافة أخته في إحدى الليالي العاصفة. عمل قناعا خاصا من عباءة أمه وأضاف له "حبربشات" مرعبة حتى بدا وكأنه وحش قادم من كوكب آخر. قصد أخته التي تصغره سنا وهي نائمة فأيقظها مع صرخة "ها ها ها". فزت مرعوبة وصارت تضحك من الخوف بدلا من أن تبكي إلى أن فارقت المسكينة عقلها.
وفي أغانينا التراثية يتخذ الضحك معاني لا أظنها موجودة في قواميس غيرنا. فالعاشق عندنا قد يضحك كذبا رغم استعار النار بداخله:
اضحك جذب والنار تلتهب بيه
ويأتي كاظم الساهر ليؤكد الضحك الكاذب بالصوت والصورة:
أضحك بوجهك كذب .. و أنه كاتلني القهر
وفيهم من يرى الضحك خيانة، مثل تلك العراقية التي غافلت حبيبها، بعد فراق، فضبطته متلبسا بجريمة الضحك:
جيتك غفل يهواي تضحك لكيتك
حسبالي تحزن دوم من فاركيتك
ولا شعب أيضا مثل شعبنا يخاف الضحك، فترى حكماءنا يوصوننا: "لا تمشي وره اليضحكك .. امشي وره اللي يبجيك". يا لها من وصية مدمرة. ينتابني هاجس أنها قد تكون وراء فوز الكثير من نوابنا. وكم من أم عراقية سمعت أولادها يضحكون فتستغيث بربها: "ربي اجعله خيرا"، وكأنهم أتوا بفعل سيعود عليها وعليهم بأم المصائب.
والضحكة عند العراقيين قد تعني ضربة "بوري". فإن ذهب أحدهم ليسترد فلوسه التي أقرضها لأخ زوجته مثلا، لكنه عاد منه مهموما، ستسأله أم الجهال: خير؟ يا خير المصخم، ضحك عليه أخوج.
أما أخطر أنواع الضحك فهو الضحك الخبيث. لذا نسمعهم يصفون فلانا بأن ضحكته "اشكد" خبيثة. ويقصدون بذلك انك لا تعرف أحقا كان يقصد أم باطلا.
كان لأحد شعرائنا الشعبيين المعروفين قصيدة عنوانها "رمدة الشمس" نسبها الآخرون لغيره. ظل صاحبنا ينتظر فرصة تجمعه بذلك الشاعر إلى أن وجده. سأله أمام جمع من الناس: يا أبا فلان هل هذه القصيدة لك؟ يقول المسكين إن ذلك الشاعر لم يجب بنعم أولا، بل اكتفى بضحكة من نوع خاص. خرج شاعرنا صاحب الجهد المسروق وهو لا يدري إن كانت تلك الضحكة قد أفهمت الحاضرين بأن القصيدة له أم لصاحبه الذي ضحك.
ولدينا نوع لا هو ضحك ولا هو ابتسام. إنه التكشير. فالمكشر، عند المصرين يعني "المدلغم" بلهجتنا. أما عندنا فلا تدري هل هو معجب أم فطير ساذج؟ ولأنه كذلك تجد العراقيين يكثرون من قول: "عابت هالكشرة"، أينما حظوا بمكشر لا يفصح عما في قلبه، ويكتفي برفع شفته العليا كاشفا عن اللثة والأسنان معا.
كل ذلك قد يهون، لكن أن تجد شعبا مضحوكا عليه حتى ظل بدون كهرباء ولا امان لمدة تسع سنوات، فهذا هو شر البلية الذي لم يضحكنا بل وأضحك العالم علينا. مالكم، أفلا تضحكون؟
الضحك عراقياً
[post-views]
نشر في: 3 نوفمبر, 2012: 04:26 م
جميع التعليقات 1
ابو سعد
اليوم ضحكت على مشهد في التلفزيون لفتره طويله ولا زلت واللذي شاهدته واضحكني حتى البكاء هي فرقه مصريه في خمسينيات القرن الماضي تودي رقصات للباليه بشكل احترافي جميل اما ماللذي اضحكني فقد ربطت مابين ثقافة المصريين في ذلك الزمان وفرق الباليه التي كانت لديهم وث