يعقوب يوسف جبر
ثمة مقترح يتداوله بعض النواب مضمونه الدعوة لتشكيل حكومة أغلبية ، قد تكون بمثابة آلية سياسية ( حل سياسي ) للتغلب على الأزمات السياسية ؛ التي لا تزال البلاد تمر بها ؛ لكن المقترح المذكور كان موضع رفض بعض النواب ممن يرون في قرارة أنفسهم أن حكومة الشراكة الحالية تضمن لهم الحفاظ على مصالحهم الخاصة إضافة إلى تأمين منافع كتلهم السياسية ، أما حكومة الأغلبية فهي تشكل تهديدا جديا لتلك المصالح والأجندات ، بينما يرى نواب آخرون أن تشكيل حكومة الأغلبية يمثل فرصة مناسبة لجميع الفرقاء لتخطي حاجز الخلافات السياسية .
إن استهجان البعض مقترح حكومة الأغلبية بسبب تضاربه مع مصالحهم دليل يقيني على هشاشة العملية السياسية وتحولها إلى لعبة يديرها مجموعة من تجار السياسة ، فعوضا عن إيجاد الحل البديل للأزمة السياسية سواء ضمن حكومة الشراكة الحالية أو في إطار حكومة الأغلبية يتعصب كل اتجاه لمصالحه دون أن يبادر الجميع لتقديم تنازلات لبعضهم البعض كثمن للخروج من الأزمة السياسية الخانقة .
يصطدم اقتراح تشكيل حكومة الأغلبية ليس فقط برفض بعض الاتجاهات بل يهدد الأجندات والمصالح الخارجية التي يحرص البعض من النواب على رعايتها ؛ رغم أن هذه السلوكية تعد مساسا بالسيادة الوطنية ، كما أنها تشكل ضررا يمس وحدة البلاد ، فمن المنطقي وحسب ما جاء في الدستور ووفقا لليمين الدستورية يتوجب على كل برلماني الحفاظ على سيادة ووحدة البلاد ومصالح الدولة السياسية ، لكننا نجد أن بعض البرلمانيين يمثل دور الحريص على المصالح الخارجية مع إهماله المصالح الوطنية كأنه سمسار وتاجر سياسة لا يعبأ بالأجندات الوطنية .
ليس من الخطأ المبادرة إلى تشكيل حكومة الأغلبية التي يجب أن تتألف بعيدا عن التعصب الطائفي ، بل يجب أن تكون بمثابة هيكل سياسي وطني يهدف أعضاؤه إلى تدشين مرحلة سياسية جديدة تنتشل البلاد من أزماتها السياسية ، لكن نجاح تجربة حكومة الأغلبية مرهون بتغيير مواقف بعض السياسيين وتبني مواقف جديدة تنسجم مع مقترح تشكيل حكومة الأغلبية ، وعلى افتراض تطبيق نموذج حكومة الأغلبية وفق المعايير الدستورية ، فمن الممكن أن يشهد العراق نقلة نوعية ضمن إطار إدارة شؤون البلاد من قبل السلطة التنفيذية ، خاصة في مجال الإعمار والبناء عبر إعادة هيكلة الاستراتيجيات والخطط للنهوض بالواقع المحلي المتردي . حكومة الأغلبية السياسية قد تكون أداة رشيدة للتغلب على جميع الأزمات ، بالابتعاد عن تبني المواقف الطائفية المتشنجة التي كانت ولا تزال أحد أسباب تدني مستوى العمل السياسي والإداري ضمن نطاق الدولة الحالية ، ومن الممكن أن تشكل خطوة الأغلبية وسيلة للكشف عن العديد من ملفات الفساد التي يخشى البعض ذيوعها ، كما أنها لو تشكلت بموجب المعايير السياسية والدستورية المنضبطة فإنها ستكون بمثابة انفراج لكل الأزمات وستكون حكومة إصلاح سياسي تدرأ جميع الأخطار التي تحدق بتجربة الدولة والبلاد .