منذ بضعة أشهر أُجريت تغييرات في القيادات الأمنية فعُيّن البعض في مواقع ونُقل آخرون إلى مواقع فيما تعرض البعض إلى ما يشبه حال سحب اليد. يومها أيّد وعاظ سلاطين الحكومة تلك التغييرات وبرروها بحماسة وبدوا كما لو أنهم يبشرون بعهد جديد زاهر بالأمن والأمان.
ويبدو أن حسابات الحقل لدى من قام بتلك التغييرات ومن تحمّس لها لم تطابق حسابات البيدر، فمنذ أيام قلائل اجتاحت القيادات الأمنية حملة تغييرات جديدة كان عنوانها الأبرز التراجع عمّا جرى في الحملة السابقة.
بالطبع ليس من الصحيح ألاّ تجري تغييرات إن في الأجهزة الأمنية أو في سواها، فالنظرية رمادية اللون وشجرة الحياة خضراء دائماً كما قال الشاعر الألماني الشهير غوته، لكن من غير الصحيح أن تُصبح التغييرات هي القاعدة.
لماذا يحدث هذا التغيير المتكرر في القيادات الأمنية تحديداً؟
غالبا ما تحدث التغييرات بعد تعرض البلاد إلى موجة إرهابية عاتية جديدة حيث تتسرب معلومات عن اكتشاف تقصير أو خلل في جهاز ما أو موقع ما أو أكثر. وهذا التقصير أو الخلل أمر طبيعي ما دام القادة الأمنيون لا يُعيّنون في مواقعهم ومناصبهم وفقا للأسس المهنية والاعتبارات الوطنية.
في التسريبات المنشورة بشأن التغييرات الأخيرة وجدنا أن هذا القائد الأمني من منظمة بدر وذاك من المجلس الأعلى وآخر من حزب الدعوة أو الفضيلة وغيره من التحالف الكردستاني.
العملية السياسية فشلت فشلا ذريعاً لأنها أنشئت على أساس المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية، ولذلك بدلاً من أن تساعد هذه العملية في إخراج الناس والبلاد من الهوة السحيقة التي صنعها نظام صدام فأنها زادت من اتساع تلك الهوة ومن عمقها.
تشكيل الأجهزة الأمنية على صورة البرلمان والحكومة هو الذي يقف وراء الفشل الذريع في مواجهة هذه الأجهزة للإرهاب والجريمة المنظمة وفي تحقيق الأمن والأمان.
من سابع المستحيلات أن يتوطد الأمن ويتحقق الآمان فيما أجهزة الأمن وقياداتها متوزعة الولاء طائفياً وقومياً وحزبياً. الأمن في بلاد مثل بلادنا يتطلب أن تكون الأجهزة الأمنية وقيادتها فوق الميول والاتجاهات عن حق. لا بد من إبعاد أجهزة الأمن والدفاع جميعا عن السياسة، وتحريم العمل السياسي على كل العاملين في السلك العسكري والأمني.
إن دولاً عدة في العالم تحرّم على العسكريين وعناصر الشرطة والأمن حتى التصويت في الانتخابات، وهذه الدول جميعاً تعيش في أمن وأمان. نحن نحتاج إلى هذا أكثر من أي شعب آخر في العالم.