يبذل العلماء جهودا متواصلة لاختراق مخ الإنسان والتعرف إلى أسرار وخفايا هذا الصندوق المغلق بإحكام ، هذه الجهود هدفت إلى البحث في المجهول لعلها تستطيع – إن أفلحت – في تحديد النوايا والمشاعر وترجمة الأفكار ، التي تدور في الرؤوس قبل ان تخرج إلى حيز التنفيذ . وفي داخل معامل سرية لدى متحف العلماء في محاولة لقراءة أفكار الإنسان بهدف منع الجريمة أو مكافحتها أو التنبؤ قبل وقوعها . فهل تنجح التكنولوجيا الحديثة في رصد نوايا المجرمين؟ في عدد تشرين الاول الماضي نشرت صحيفة واشنطن تايمز .. إن وكالة الفضاء الأمريكية ( NASA ) تعتزم التجسس على عقول المسافرين داخل المطارات حتى تستدل على الإرهابيين وذلك من خلال جهاز مشترك يقوم عن بعد بتسجيل الإشارات الكهربائية الصادرة عن القلب و المخ ! واقترحت (NASA ) على شركة (نورث ويست ) للطيران اختبار مصداقية هذا الجهاز الذي يرصد أي حالة عصبية مبالغ فيها عندما يشعر الراكب بقلق شديد لإخفائه أي أمر خشية اكتشافه، فهياج الأعصاب والحالة الفسيولوجية المضطربة للجسم تعني بالنسبة لمن عرضوا الفكرة وانضموا بها، وجود أفكار مشبوهة يعاقب عليها القانون، ولكن ردود فعل المراقبين عن حقوق الإنسان أبطأت تنفيذ هذه الفكرة لأن القانون لا يحاسب أي إنسان على نيته قبل المباشرة بالفعل ! وعلى الرغم من ذلك يؤكد الواقع سعي العلماء لتطوير وسائل جديدة للتحقيق والكشف عن المجرمين لخدمة الأجهزة الأمنية ، وذلك بفك شفرة العقل حتى ولو لم ينطق اللسان ، ولأن الأفكار المستقبلية تظهر دائما في صورة خيال علمي.
إن تطلع رجال الشرطة الدائم لمخترعات العلم هي همزة الوصل بين الخيال العلمي والواقع الفعلي ولهذا تم الترحيب بفكرة تسجيل بصمات المخ التي تعتبر أحدث ما توصل إليه العلم فقد توصل اثنان من علماء النفس بجامعة (الينوى) من عرض تقنية تسجيل بصمات المخ بناء على طلب المخابرات المركزية، وتقدم هذه التقنية إمكانية إظهار ما إذا كان المشتبه فيه يعرف أشياء المفروض أن يجهلها ولو كان بالفعل بريئا ، وذلك من خلال قياس النشاط الكهربائي لمخه خلال سماعه كلمات معينة عن طريق رسم المخ ، فإذا أحدثت بعض الكلمات نوعا من الإثارة لفعله أو أيقظت لدى من يشتبه فيه صدى معينا تظهر بوضوح علامات التعرف إلى هذه الأشياء في رسم المخ الخاص به. وهنا يظهر منحنيان في صورة المخ، فإذا اتحد المنحنيان كان ذلك دليلا على البراءة وإذا انفصل المنحنيان كل عن الآخر فمعنى ذلك أن الشخص يعرف معلومات عن ملابسات الجريمة التي سأل عنها. وقد توصل باحث آخر بجامعة (الينوى) باستخدام نفس الجهاز بتعديل بسيط هو إضافة مؤشر يظهر انحرافا عندما يكذب الذي يخضع للاستجواب لأن محاولة الكذب تحدث تشويشا في الإشارات المعبرة عن النشاط الكهربائي للمخ .
إن الكثير من دول العالم تكرس ميزانيات ضخمة لتمويل الأبحاث الخاصة بالتنبؤ بالجريمة وكشف كذب المشتبه فيهم. خاصة في حوادث الإرهاب، حتى يتم منع تنفيذ أي مخطط . وفي أعقاب تفجيرات نيويورك أعلن العلماء في المؤتمر السنوي للجمعية الأمريكية للأمراض النفسية والعصبية إن أجهزة كشف الكذب التقليدية أصبحت وسيلة غير ذات قيمة لعدم دقتها، وان تجارب تصوير المخ بالأشعة أذهلت الكذابين لدقتها في تقييم مدى مصداقيتهم، فمتى تلجأ الأجهزة الأمنية عندنا إلى استعمال الأجهزة الحديثة في كشف ومتابعة الإرهاب وعناصره وتخلصنا من سيطراتها وأسلوبها العقيم في تنفيذ خططها الأمنية الفاشلة.