يرى الخبير الاقتصادي ووزير التخطيط والتعاون الإنمائي الأسبق الدكتور مهدي الحافظ أن تحقيق التنمية الاقتصادية مرهون بضمان المساواة بين مختلف الشرائح الاجتماعية والتي يلخصها من خلال استعراضه لكتاب (ثمن المساواة) للكاتب الأميركي Joseph Stiglitz بمقولة (التفاوت الاجتماعي وخطره اللاحق).
ويقول الحافظ انه منذ أن نشأ الاقتصاد الحديث قبل عدة قرون كان الجدل مستمرا حول عدد من القضايا الإيديولوجية المهمة ، ومنها العلاقة بين الإنتاج والتوزيع، فكان الرأيان السائدان الأساسيان يصبان في اطار الخلاف أو الجدل الدائر بين الفكر الاشتراكي والفكر الرأسمالي التقليدي.
مضيفا أن الإنتاج لا يمكن أن يفي بهدف الوصول إلى اقتصاد متوازن ومستديم ما لم يكون هناك اهتمام كاف للتوزيع بمعناه العام من حيث تحديد الدخول ووضع أسس عادلة وسليمة لها ، وهكذا تطور الجدل في الميدان الاقتصادي بين المفكرين والمعنيين بالشؤون العامة ، الا ان العقود الأخيرة لاسيما بعد فشل الأنظمة الاشتراكية طرحت بقوة هذه المسالة وترتب عليها ظهور تكيفات مهمة في بعض المفاهيم والصيغ، ما دعا البعض إلى البحث عن سياق او إطار جديد للفكر الاقتصادي الذي يمكن أن يوفق بين تطور الإنتاج وعدالة التوزيع، كما ظهرت كتب ومعالجات رصينة منها كتاب الدكتور فؤاد مرسي بعنوان (الرأسمالية تكيف نفسها)، وكان أيضا من الظواهر الجديدة بروز التعامل مع التراث والفكر الماركسي بدرجة ملحوظة في الجامعات الغربية على نحو يرمز إلى إمكانية التزاوج بين المفهومين الرأسمالي والاشتراكي، والتركيز على الحاجة للجمع بين مطلب زيادة الإنتاج ومطلب العدالة السليمة.
وأشار الى أن مفهوم التنمية البشرية الذي ظهر في بداية التسعينات من القرن الماضي كان عنوانا ملائما لهذه الظاهرة المهمة، فالتنمية البشرية تهدف إلى تطوير خيارات الناس في المجالات الأساسية لحياتهم كالدخل والتعليم والصحة ومكافحة التلوث والاهتمام بحقوقهم السياسية والديمقراطية بشكل خاص وغير ذلك.
وقال الحافظ وفي هذا السياق ظهرت أسماء لامعة في ميدان التنمية الاقتصادية والاجتماعية وأسهمت في إثراء هذه المفاهيم أمثال Joseph Stiglitz و Amartya Sen وغيرهما من الأكاديميين والخبراء ، حيث كانوا جميعهم أصحاب فكر ودور ملحوظ في الحياة الاقتصادية الدولية، إذ فاز الاثنان بجائزة (نوبل) للاقتصاد في سنوات متلاحقة وشغلا كذلك مناصب مهمة في البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية (UNDP) واسهما في الحملات والبرامج المطروحة لمكافحة الفقر في العالم.
وأشار إلى أن من المفيد الإشارة إلى أن خبرة هذا النمط من الاقتصاديين البارزين امتدت أيضا الى دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، لاسيما أن Stiglitz كان مثلا رئيسا للفريق الاقتصادي الاستشاري للرئيس بل كلنتون أثناء ولايته في رئاسة الجمهورية لدورتين متتاليتين، ثم أن Amartya Sen لعب دورا قياديا فعالا في صياغة مفهوم التنمية البشرية في UNDP. كما أن تأثيره قد ظهر مؤخرا في معالجاته قضايا الظلم الاجتماعي أو ما يسمى باللامساواة في مجالات عدة ، ومنها دوره في مؤسسة Clinton Global Initative التي يقودها الرئيس السابق كلينتون والتي تبحث في معضلات وقضايا التطور في العالم ، ففي عدد سابق من المجلة الأمريكية Time Magazine ، تصدر الرئيس كلينتون هذا العدد وكشف بوضوح معالم اللامساواة في العالم، محددا خمس قضايا رئيسة تدور في هذا الإطار وهي (التقانة والصحة والمساواة والاقتصاد والعدالة)، واقترن ذلك بصدور كتاب مهم جدا هذه السنة لــ Stiglitz حول اللامساواة، وعنوانه هو The Price Of Inequality ثمن اللامساواة، أو (كيف يهدد المجتمع المجزأ اليوم المستقبل)،حيث يأتي هذا الإصدار بمثابة تتمة لمجموعة من الكتب الأخرى التي تناولت قضايا العولمة وسباق التسلح واحتلال البلدان الأخرى ولاسيما العراق (كتاب ثلاثة تريليونات للحرب في العراق).
ولفت الحافظ إلى انه وحسب رؤية بعض الخبراء فإن هذا الكتاب (ثمن اللامساواة) يطرح أجندة شاملة لخلق مجتمع متساوٍ واقتصاد اكثر ديناميكية واشد عدلا، فلم تعد أمريكا (وطن الفرص) المتكافئة كما يشاع بل أن الديمقراطية فيها أصبحت اقل تجاوبا مع حاجات معظم الناس وهمومهم قد تقلص الإحساس بالهوية الوطنية وبات واضحا أن الإيمان بالرأسمالية التقليدية لم يعد مقبولا حتى لدى العديد من المفكرين الغربيين.
وأوضح أن الكتاب الجديد يطرح مفاهيم متقدمة نسبيا حول السوق وفشله في الإيفاء بالتوقعات والآمال التي لصقت به، ويستهل الكاتب معالجاته بالإشارة الى الحالة السائدة في الاقتصاد الأمريكي المنقسم إلى ( 1 ) بالمئة للمترفين وكبار الأثرياء و( 99 ) بالمئة لعامة الناس ، فالبطالة وكذلك عجز الأسواق عن توليد وظائف جديدة يعدان الفشل الأكبر في هذا المجال ، بل يضيف بأن هذا الواقع المرير هو الأساس في بروز ظاهرة اللامساواة وضعف الكفاءة ، ويلخص الحالة بالقول أن كل شيء أصبح في خطر (هنالك ثمن عال جدا للظلم (( أو عدم المساواة ))، فضلا عن أن الديمقراطية تواجه أخطارا عديدة).
ونوه بأن الكاتب يتوقف عند الظاهرة المثيرة المسماة Occupy Wallstreet التي انتشرت في أمريكا في وقت سابق وعـدها صرخة جريئة بوجه الظلم وعدم المساواة وذات صلة عضوية بالحركة المناهضة للعولمة، حيث من اللافت تركيز الكاتب على الرأسمالية، حيث يقول (إنها فشلت في توليد ما كانت تعد به، بل أخذت تخلق أعباء ومعضلات جديدة)، فما هي منتجات الرأسمالية في نظر الكاتب؟ وهي (اللامساواة والتلوث والبطالة) وكذلك الأهم تدهور القيم إلى الحد الذي أصبح الأمر مقبولا من دون تحديد المسؤول عن ذلك.
وكشف أن النظام السياسي يعاني مآخذ كثيرة ومن هنا بات ضروريا الإصغاء لأصوات وإرادة المواطنين، ويأتي الأمر أيضا الى النظام الاقتصادي حيث يجب أن يستند إلى قواعد وأنظمة واضحة ويعمل في إطار قانوني شفاف، حيث يشير الكاتب إلى مسألة مهمة أخرى وهي عدم صواب الاعتماد على (الناتج المحلي الإجمالي) مقياسا جيدا للأداء الاقتصادي لأنه لا يعكس بدقة التغيرات الحاصلة في مستوى المعيشة ولا يمكن أن يؤشر صفة الاستدامة بالنمو الاقتصادي، ثم يخلص المؤلف إلى القول بأن الاقتصاد الكفء والمجتمع العادل يتطلب تحويل الأسواق الى أسواق تنافسية واقل استغلالا، إذ أن المؤلف يهدف من ذلك إلى تأكيد ما كان الكثير يدعون إليه، وهو ربط كفاءة النظام الاقتصادي بالتوزيع الاجتماعي ، وهي القضية التي دار حولها الكثير من الجدل والمماحكات في اغلب الأوقات .
خبير اقتصادي: تحقيق التنمية الاقتصادية مرهون بضمان المساواة بين الشرائح الاجتماعية
نشر في: 4 نوفمبر, 2012: 08:00 م