يجادل أحد المسؤولين بوظيفة الإعلام، معتبراً أن الإعلام الذي يتسقط عثرات السلطة التنفيذية ولا يكشف عن منجزاتها هو إعلام تحريضي، يسعى إلى تأليب الناس ضد السلطة التنفيذية. ثم يسترسل بجداله مستغرباً أن تُخصص ساعة تلفزيونية كاملة للتحقيق بمشروع متلكئ، أو للتساؤل عن آخرَ نُفذ بمواصفات سيئة، ثم لا تخصص أكثر من دقائق معدودة لتغطية نشاطات الدوائر الخدمية في الوزارات.. حسنٌ، ألا يبدو على هذا الجدال أنه معقول أول وهلة؟ ولمَ لا، ألا تستحق الجهات التنفيذية فرصة؟
في الحقيقة هي لا تستحق هذه الفرصة في المؤسسات الإعلامية؛ لأنها تستطع أن تستوفيها في المؤسسات الإعلانية، وها هنا فرق جوهري بين المؤسستين، أقصد تلك التي تُعْلِمُ جمهورها بمعلومة تعتقد أنهم بحاجة لأن يَعْلَموا بها، وبين تلك التي تُعْلِن لهم ما يُطلب منها أن تعلنه لهم. الفرق بين المؤسسة الدعائية وبين المؤسسة الإعلامية هو أن الأولى تعرض خدمة الترويج لمن يدفع أجورها، والثانية تعرض المعلومة للمهتم بها، وهذا المهتم في حقيقته هو دافع أجور أيضاً، لكن بصورة غير مباشرة.. ولو أن مؤسسة إعلامية تحترم نفسها حاولت أن تعرض على جمهور "واعٍ"، الدعاية بدل المعلومة، فإنها ستخسر هذا الجمهور حتماً.. لذلك أريد أن اقول لهذا المسؤول النائم: عليك أن تبحث عن مروجين يا سيدي الفاضل، لا عن إعلاميين.
لكن ما يجب الالتفات إليه أيضاً، أن هذا الـلَّبس لا يقتصر على بعض المسؤولين، بل هو يتكرر كثيراً، وخاصة على صفحات (فيسبوك)، فعند التعليق على الأخبار أو المقالات تجد دائماً أن هناك من يستغرب تتبع تقصيرات الحكومة، ويتساءل: لماذا تبحثون على العثرات فقط؟ ثم يُتبع تساؤله هذا بسيل من الشتائم والاتهامات بالعمالة والرخص وما إلى ذلك..
لهؤلاء وللسيد المسؤول، أقول: إن المنجز الذي يقدمه الجالس على الكرسي التنفيذي إنما يقدمه لقاء أجور تُدفع له من المال العام، أي من مال الشعب، وهو لهذا السبب لا يستحق أي إشادة، فهو لم يُحسن لأحد، ولم يتفضل على غير نفسه؛ لأن قيامه بواجباته على أتم وجه سيحميه من تبعات المساءلة عند التقصير.. بعبارة أخرى: إن تنفيذ المسؤول الواجب المطلوب منه على أتم وجه، يجعله مستحقاً الأجور التي يتقاضاها، أما إذا قصَّر بزاوية من زوايا هذا الإنجاز فسيكون مستحقاً العقوبة.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن واجب الإعلام هو الكشف عن الحقائق، وفي حال أن الإعلامي كشف عن تقصير ما، وكان هذا التقصير حقيقة واقعة، فلا يلام على ذلك حتى لو كان للجهة المقصرة ألف منجز سابق، أنجزته بدون تقصير. ومن هنا، عندما يرتكب شخص ما، جريمة لأول مرة في حياته، فلن نستغرب محاسبة الجهات القضائية له، ولن نطالبها بالإفراج عنه بذريعة أن سيرته خالية من السوابق.
سيرة خالية من المنجزات
[post-views]
نشر في: 4 نوفمبر, 2012: 08:00 م
جميع التعليقات 1
Ankido
بسطال الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم ابو الفقراء رمز النزاهة والعدالة والوطنية أشرف من عمائمهم.