ليست مصادفة بالتأكيد التصريحات الصادرة من ناحية عن الأمير الحسن بن طلال, عم العاهل الأردني,الذي شغل موقع ولاية العهد لمدة قريبة من أربعة عقود, قبل أن يستبدله الراحل الحسين في اللحظات الأخيرة من عمره بابنه عبد الله, ومن الناحية الأخرى عن فاروق القدومي, القيادي المجمد في منظمة التحرير الفلسطينية, منذ التوقيع على اتفاقية أوسلو, وإصابة الدائرة السياسية التي يرأسها بالشلل, عقب انتقال مهامها إلى وزارة الخارجية التابعة للسلطة, الناجمة عن تلك الاتفاقات, وهي تصريحات تتعلق بمستقبل الضفة الغربية المحتلة منذ العام 1967, حين كانت تابعة للمملكة الأردنية الهاشمية, التي تابعت مسؤوليتها عنها كأرض محتلة, إلى أن تمكنت منظمة التحرير من التأكيد العملي لكونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني, وأهل الضفة جزء منه, ثم ممارسة مسؤولياتها عملياً بعد أوسلو, وانتقال القيادة الفلسطينية من منافيها إلى الضفة وقطاع غزة.
الأمير حسن, وهو بالمناسبة لا يحمل أي صفة رسمية, ولا يشغل أي موقع سياسي, تحدث أمام عدد من الأردنيين من أصل فلسطيني, ومن مدينة نابلس تحديداً, عن أن الضفة الغربية احتلت وهي أرض أردنية, وما زالت كذلك في نظر القانون الدولي, وبما يعني أن مسؤولية تحريرها, أو التفاوض بشأنها ما زالت تقع على عاتق الحكومة الأردنية, وتحدث مطولاً عن زياراته لنابلس, وعن بكاء الشيخ عبد الله غوشه قاضي القضاة حين سمع بقرار فك الارتباط, وهو بتصريحه هذا كأنما يمهد لقرار بالعودة إلى ما كان سائداً قبل حرب حزيران, وما تبع احتلال الضفة من سياسات الجسور المفتوحة لسكان الضفة, باعتبارهم أردنيين يمتلكون الحق بالسكن في كل جزء من المملكة, وهي سياسة نجم عنها حالة من اللجوء الناعم إلى الضفة الشرقية من المملكة, بذريعة عدم قطع العلاقات مع الأهل الواقعين تحت الاحتلال.
القدومي أبو اللطف, ويتصادف أنه من نابلس, وهو لا يشغل موقعاً فاعلاً في قيادة منظمة التحرير في الوقت الراهن, صرح بأنه يرحب بدور أردني في التفاوض لاستعادة الضفة الغربية, وتحرير أجزاء منها, فيما يبدو تناغماً مع حديث الأمير أو استكمالاً لمفرداته, وبما يؤشر إلى هجمة في هذا الاتجاه, وإن كانت تتم بأدوات غير رسمية, لكنها قد تكون جساً للنبض, في مرحلة انسداد أفق حل الدولتين, بسبب تعنت اليمين الصهيوني المتطرف, وسعيه لحل نهائي للمسألة الفلسطينية على حساب الأردن كوطن بديل, وهو ما يحذر منه عدد من الأردنيين, يخشون الذوبان في دولة يسيطر عليها الفلسطينيون, ويتحولون فيها إلى مجرد عسكر لحماية حدود إسرائيل, وقمع أي حراك وطني ضد الدولة العبرية.
المطالبة بدسترة وقوننة قرار فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية, هي السلاح الذي يحمله المدافعون عن " حق " الأردنيين في حكم دولتهم, والتمتع " بخيراتها ", وهم يطالبون بحجب حق العمل السياسي عن مواطنيهم من أصول فلسطينية, ويخشون من تبعات تصريح الرئيس الفلسطيني للقناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي, والتي ألغى فيها حق المطالبة بعودة اللاجئين إلى وطنهم, وجدد فيها اعترافه بحدود الدولة الإسرائيلية, وبما يعني أن فلسطينيي الأردن باتوا أردنيين, وعليهم التعايش مع هذا الواقع وإن كانوا يرفضونه, والمطالبون بدسترة فك الارتباط طيف يجمع متقاعدين عسكريين, سقطت الضفة تحت الاحتلال حين كانوا في الخدمة, وإقليميين متعصبين, وجمع من أبناء العشائر المستفيدين من عطايا الدولة, وكل هؤلاء يغلفون مطالبهم برفض الوطن البديل.
الحل على حساب الأردن الواقع في أزمة اقتصادية, تخلى الأغنياء العرب خلالها عن مد يد المساعدة إليه, وتلتهب حدوده من كل الجهات, قد يكون انتحاراً للدولة التي صمدت ما يقرب من قرن, وهي اليوم مرشحة لتطورات غامضة, قد تكون تصريحات الأمير والقدومي أول إرهاصاتها.
الضفة بين الأمير والقدومي
[post-views]
نشر في: 5 نوفمبر, 2012: 08:00 م