قمة الوفاء للأوطان أن تبقى جذور العطاء بين أبنائه تضرب في أعماقهم لتمدها بسني الخبرة من عصارة جهودهم بعيداً عن القمم أو السفوح التي يقفون عندها طالما الجميع يؤمنون أنهم سواسية في التضحية من اجل الوطن زهداً لا وجاهةً.
ولعل هناك نماذج رياضية مشرفة خلدتها صفحات التاريخ عبر عقود الزمن الماضية كان لها الأثر الكبير في بناء مجده الرياضي ووصوله الى محطات انجاز جعلته محط فخر العالم سواء في كرة القدم أم العاب القوى أم رفع الأثقال وغيرها من الألعاب ذات التنافس الجمعي والفردي التي عبّرت عن قمة تحدي العراقيين لظروفهم الصعبة من اجل إسعاد ملايين الشعب في خلوة من الدقائق وربما الساعات بعيداً عن أجواء التوتر التي أدمنوا مشاهدتها منذ أربعينيات القرن الماضي.
وقبل أيام طلّ لاعب القرن العشرين ورئيس اتحاد الكرة السابق حسين سعيد من احدى شاشات التلفزة المحلية بعد غياب طويل حتمه قراره باتخاذ الاستقالة من منصبه عقب الضغوط التي تعرض لها في فترة التمهيد لإجراء انتخابات الكرة تارة وتصدع علاقته مع نائبه الأول ناجح حمود وأمين السر احمد عباس في تلك الفترة ، فجاء ظهوره في البرنامج معبراً عن ثباته على ذات المبدأ الذي تفاعل معه طوال حياته لخدمة بلده في أية بقعة يقف عليها سواء في الداخل أو الخارج غير مبال للسهام الطائشة التي كانت تسدد اليه يومياً بلؤمٍ بينما اليوم حُزمت في جُعب أصحابها "ممن افتضحت نواياهم" برغم الأخطاء المهولة التي ترتكب بحق سمعة وتاريخ اللعبة!
سعيد أراه اليوم أكثر انشراحاً وسعادة في أداء عمله مما سبق بعد ان وجد من يقيـّم تاريخه ومكانته في المجتمع ويمنحه الثقة مستثمراً خبرة عشرين عاماً في إدارة لعبة كرة القدم ، ولهذا كان متفائلاً بالمرحلة المقبلة من مشواره العملي بعدما أناط به مسؤولو الحكومة والرياضة في إقليم كردستان مهمة الإدارة التنفيذية لمشروع المدينة الرياضية في أربيل واحدة من أكبر وأروع التحف المعمارية تصميماً وبنية ومنشآت في المنطقة مثلما اشار الى ذلك.
ومن ابرز المحاور التي شدتني اليه صراحة سعيد هي شهادته بنجاح أربيل في تلافي النقوصات التي ثبتها ممثل الاتحاد الآسيوي قبل لقاء نادي الكويت الكويتي خلال فترة ثلاثين يوماً من الصعب انجازها لولا همة المعنيين في نادي أربيل واتحاد الكرة ، فضلاً عن إشادة سعيد بموقف الإعلام الرياضي في مساندة المهمة الوطنية وممثل الكرة العراقية ومتابعة اللاعبين وتقويم أدائهم وابداء الملاحظات عن اسلوب لعب المدرب السوري نزار محروس ، وثنيه بتفاخر كبير على الدور المهم لـ 25 ألف مشجع زحفوا من جميع مدن الوطن والتزموا بانضباطية مثالية قبل وأثناء وبعد انتهاء المباراة ، واعداً بنقل الصورة إلى الاتحادين الدولي والقاري لإعادة النظر في قضية رفع الحظر الذي أصبح غير مبرر إطلاقاً وفق معطيات الأمان السائد في مدن الإقليم.
حقاً اننا بحاجة الى شخصيات قديرة بمنزلة سعيد لخدمة اللعبة في الخارج ، لاننا صراحة نفتقد المواقف المساندة لكرتنا في الأزمات ، بدليل ان هناك دولاً شهدت مآسي كبرى لم يحرك فيفا نفسه أزاءها ، بل تعامل بكل برود كما حصل في مجزرة بورسعيد العام الماضي التي ذهب ضحيتها 70 قتيلاً بفعل ثورة البلطجية الرعناء ، واكتفى جوزيف بلاتر ببيان خجول تأسى به عمّا حصل ولم يصدر قرار بحظر اللعب في مصر بالرغم من ان الدوري لم يزل معطلاً وخشية اتحاد الكرة المصري استئنافه وحدوث ما لا يحمد عقباه ، حتى ان وزارة الداخلية المصرية أمرت بتواجد حشود من رجال الشرطة في مباراة الأهلي والترجي التونسي ضمن ذهاب نهائي أبطال أفريقيا اكثر من الحضور الجماهيري نفسه ، فهل هناك دليل دامغ على سوء الأمن في القاهرة وبقية المحافظات اكثر من ذلك ؟!
بلا شك ، أن الدعم اللوجستي الذي يقدمه عضو المكتب التنفيذي في فيفا المصري هاني ابو ريدة وراء عزوف بلاتر وبقية اعضاء المكتب عن اتخاذ قرار الحظر هو دليل دامغ على ازدواجية المؤسسة الدولية في رفع الكارت الاحمر تجاه بعض الاتحادات دون غيرها ، وهذا ما نؤكد عليه بان وجود حسين سعيد العراقي الوحيد عضو اللجنة الاعلامية في فيفا ورئيس لجنة التدقيق في الأندية الأسيوية وعضو لجنة تنظيم البطولات في القارة لابد ان ينعكس ايجابيا لمصلحة العراق في بلورة رؤى حقيقية عن واقع الحياة في البلد وتغيير سياسة فرض العقوبات الظالمة عليه ، والدفاع عن حقوقه اينما وجدت ، بعدما لعبت الماكنة الاعلامية العربية " تحديداً " في بعض الدول على تشويه صورة واقعنا عبر تقارير تخدم مصلحة منتخباتها ليس إلا وتوقع ضرراً كبيراً بلاعبينا الذين ما يزالون يختارون اراضي الغير ملاعباً بديلة لهم من دون ان نقطع دابر هذه المحاولات الدنيئة ونعجّل باعداد ملف متكامل بالتعاون بين اتحاد الكرة وحسين سعيد المواطن العراقي الاصيل وممثلنا الكفء في المحافل الدولية.