النظام السابق كان كريما جدا في منح الاموال لدول عربية حتى في سنوات خضوعه لعقوبات اقتصادية ، تعبيرا عن تمسكه بماكان يعرف بالشروع القومي النهضوي ، وفي ذلك الوقت لم يكن احد يعترض او يعبر في اقل تقدير عن انزعاجه من تبديد اموال الدولة لشراء مواقف داعمة للنظام.
قبل ايام اعلنت الحكومة انها ستمنح مساعدات اغاثية لكل من سوريا واليمن والسودان بقيمة اجمالية تبلغ 25 مليون دولار ، في وقت يعيش ملايين العراقيين تحت خط الفقر. صدر القرار بموافقة جميع اعضاء مجلس الوزراء ، وهؤلاء يمثلون كتلا برلمانية ، طالما اعلنت اعتراضها على العديد من القرارات الرسمية .
"العراق الجديد " لا يريد ان يتخلى عن كرمه في منح الاشقاء ملايين الدولارات عن طريق المنح المالية ، وعرف عن النظام السابق انه قام بشراء ذمم وتمويل وسائل اعلام وشخصيات صحفية معروفة ، اسهمت في تلميع صورة "قائد الامة" ومنقذها صاحب المشروع القومي النهضوي.
المال العراقي في ذلك الوقت نجح في تشكيل قاعدة تاييد شعبية لرأس النظام ومازالت ، وجاء في كتاب بعنوان "المنازلة الشعبية" صدر نهاية عقد التسعينات ان ملايين العرب ومن خلال رصد المواقف والفعاليات الشعبية يؤيدون غزو النظام السابق للكويت ، وبغض النظر عن صدقية الوقائع التي اوردها الكتاب فانه اكد حقيقة ان المال العراقي استطاع ان يخلق قاعدة شعبية داعمة لغزو الكويت ، ومن تلك القاعدة تطوع الانتحاريون لينفذوا اعمالهم الارهابية في العراق لقتل ابناء شعبه بالمفخخات والاحزمة الناسفة.
كرم" العراق الجديد " جاء بمباركة القوى المشاركة في الحكومة ، وحرص بغداد على الالتزام بقرارات الجامعة العربية لمساعدة الاشقاء العرب في اليمن وسوريا والسودان ، وربما سيحقق المال العراقي اهدافه في المرحلة المقبلة عندما توافق تلك الدول على افتتاح مكاتب لاحزابنا في عواصمها ومدنها الاخرى لغرض توسيع قاعدتها الشعبية في الساحة القومية ، وربما تنظم التظاهرات لدعم هذا الزعيم وذلك القائد السياسي الذي خفف من معاناة الفقراء ، ووفر لهم الغذاء والدواء ، واسهم في تطوير وعيهم الثقافي والسياسي ، فراجعوا مواقفهم السابقة وتوصلوا الى حقيقة ان العراق مازال وحريصا على سمعته في انه الدولة العربية الاكثر كرما في المنطقة .
الاحزاب المشاركة في الحكومة ، ربما وجدت في حرص العراق على تنفيذ قرارات الجامعة العربية سببا في التزام الصمت تجاه منح الاموال ، لكن احدى الفضائيات التابعة لتنظيم سياسي يوصف بانه احد حلفاء رئيس مجلس الوزراء ، انتقدت القرار الحكومي ، عندما خصصت ثلاث ساعات من بثها لاستقبال اتصالات المواطنين للتعبير عن ارائهم بمنح الاموال ، فضلا على اجراء لقاءات مع مواطنين يسكنون في عشوائيات خارج العاصمة، للحديث عن معاناتهم وحرمانهم من خدمات الحصول على الماء الصالح للشرب والكهرباء ، وانتظار مفردات البطاقة التموينية ، ومن تحدث للكاميرا طالب بخجل الحكومة بان تساوي مواطنيها بالسودانيين والسوريين واليمنيين من احفاد قحطان وعدنان.