TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > لا استطيع الإيمان بهذا

لا استطيع الإيمان بهذا

نشر في: 6 نوفمبر, 2012: 08:00 م

يسهل علينا، أن نحول الإنسان إلى رقم صغير وعابر، بالذات في العراق، حيث يكثر حصاد الأرواح وتبذير المصائر.. يسهل علينا مثلاً أن نقول أن عصابة إرهابية ما، قتلت أكثر من مئتي مدني، ثم هكذا ببساطة ننتقل إلى تناول موضوع آخر. يسهل علينا ذلك لأن جرائم القتل تحدث بشكل يومي، وبطريقة جنونية وعبثية وغاية في الوحشية، لكن في بعض الأحيان، وربما لظروف ذاتية أو موضوعية، تثور أرواح الضحايا المضغوطين داخل الرقم الصغير، وتهزّ وعي المتلقي وهي تفجر داخله كل ما عانته من ألم وفجيعة.
الإنسان الذي يُقتل لا يُشطب لوحده من لوحة الوجود، بل تشطب معه مصائر كثيرة، الإنسان ليس ذاتاً فقط، بل مجموعة هائلة وشبكة معقدة من العلاقات والمصالح والارتباطات، وما لا نستطيع إدراكه ساعة تناقلنا لخبر الموت، هو مصير الزوجة والأبناء والأخوة والأخوات ووو الخ. هناك مصائر أخرى تكون عرضة للتغيير بسبب جريمة قتل أي إنسان. نحن نقول ببساطة أن فلاناً قتل، دون أن ندرك كم مصيراً سيُغير هذا القاتل بجريمته، كم مجرماً سيخلق أو مشرداً سيوزع أو حتى عبقرياً سيشكل.. وما يهمني هنا هو السؤال التالي: هل أن القاتل متغير أصيل في معادلة الوجود الخاصَّة بالمقتول، ما يعني بأن هذه المعادلة مرسومة سلفاً بدقة وحكمة؟ أم أنه متغير طارئ في معادلة عبثية ومجنونة؟
بعبارة أخرى هل أن مصير المقتول، ومصائر زوجته وأبنائه، وهي مصائر مترابطة، مرسومة سلفاً ومحددة بشكل كامل، ثم يأتي القاتل ليغيّر مسارها؟ ما يعني؛ بأن جريمة القتل حركة مفاجئة تُكَسِّر مساراً متوازناً يتعلق بحياة أفراد ومصالح مجتمع.. أم أن القاتل منتم أصلاً لمسار الضحية وهو متغير موجود فيها، وبالنتيجة لا تكون هناك أي مفاجئة بالموضوع.. والقضية برمتها مرسومة بحكمة وعن دراية مطلقة..
بالتأكيد أنا لا أريد أن أثير موضوعاً أشبع بحثاً في الفلسفة التقليدية، التي لا أؤمن بمخرجاتها، ولا أريد الغوص بتفاصيل أبحاثها، أنا هنا فقط أريد أن اعلم نفسي أن لا تمر على أخبار القتل مروراً عابراً، وأن تتعلم مقاطعة الرقم الذي يريد اختصار الإنسان وتفجير ما به من صراخ وألم وضياع.
أريد دائماً وأنا أتابع أرقام الضحايا في بلدي أن أعيد هذا التساؤل: أيعقل أن هذا القاتل التافه استطاع لحظة القتل أن يغير جميع مصائر من يرتبطون بمصير المقتول، بمعنى أنه هو من يتَّم ورمَّل وشرد وجوَّع؟ أيعقل هذا؟ لا لا أعتقد ذلك وإلا فإن الوجود سيكون عبثياً بشكل غير معقول.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. جمعة جهاد سيف

    والاكثر من ذلك اخ سعدون ان هذه الرصاصة عندما تقتل(طالبا في اول كلية)تقتل معه احلام امه وابيه من لحظة دخوله المدرسه ومراعاته يوميا وبادق التفاصيل وتنتهي المرحلة الابتدائية(بشلاع الكلب)وانوب كارثة المتوسطة(مرحلة المراهقه)ويستمر التعب وبعدها(نكرة سلمان)الساد

يحدث الآن

(المدى) تنشر نص قرارات مجلس الوزراء

لغياب البدلاء.. الحكم ينهي مباراة القاسم والكهرباء بعد 17 دقيقة من انطلاقها

العراق يعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

البيئة: العراق يتحرك دولياً لتمويل مشاريع التصحر ومواجهة التغير المناخي

التخطيط: قبول 14 براءة اختراع خلال تشرين الثاني وفق معايير دولية

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram