TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "فتيلة "الثورة

"فتيلة "الثورة

نشر في: 7 نوفمبر, 2012: 08:00 م

"تعسا لهم من قوم لا يقوون على الصراخ من شدة الألم" ، هذه العبارة وردت على لسان بطل مسرحية لمؤلف عراقي، والكاتب كان يخشى أن يحذفها الرقيب لكنها مرت من دون اعتراض أو تأشير بالقلم الماجك الأحمر ، لأن الاحداث خيالية  وزمنها قديم جدا  يعود إلى العصور المظلمة. في يوم العرض  أبدى  مسؤول  تقمص دور الرقيب أو رجل الأمن اعتراضه على هذه الجملة  وأمر من  كان يجلس  بجواره  بإخبار المخرج بحذف هذه الجملة :" لأننا لا نريد أن نوحي لأبناء شعبنا بأن  العراق أصبح بيئة مناسبة للظلم والجور وتكفينا تهديدات القوى الاستعمارية والصهيونية بتدمير العراق ".
مخرج المسرحية أذعن للأمر وأبدى استعداده لحذف المشهد بأكمله ، فاعترض المؤلف على موقف المخرج الانهزامي ، وكادت تحصل مشادة بين الطرفين حسمت بتدخل أطراف بذلت مساعيها الحميدة ، فاقتنع المؤلف بأن يكون حوار البطل بالشكل التالي " تعسا له من رجل لا يقوى على الصراخ من شدة الألم" ،  فتنازل المؤلف عن قناعاته  ومكابرته عندما قال لكادر العمل ان  فكرة المسرحية ضاعت بتغيير كلمة واحدة  وردت في النص كانت تدعو إلى إشعال فتيل الثورة ،  ولكن هذا الادعاء لم يجد أذنا صاغية من قبل الآخرين لأن المسرحية خضعت  للتعديل والحذف والشطب والإضافة  بموافقة المؤلف .
 بعد  تلك الواقعة روج المؤلف لموقفه الرافض لسلطة المسؤول الرقيب ، وخلال  أحاديثه مع الزملاء والمعارف في احد النوادي  ذكر انه اجبر على حذف الحوار المهم  فارتكب جريمة بحق منجزه الإبداعي ، ولذلك أعلن رفضه التعامل مع أي مخرج  يتسلم  الأوامر من المسؤولين ، ويتجاهل فعل الكلمة وتأثيرها في الجمهور المتعطش لاستقبال فكرة الاحتجاج  والاعتراض تمهيدا لإشعال فتيل الثورة ،  والقضاء على الاستبداد ، وما أن انتهى المؤلف من قول الكلمة الأخيرة حتى وجد  من يحدثهم   يبحثون عن طاولة أخرى،  فتركوه وحيدا فريدا،  لأنه تجاوز الخطوط الحمر بالحديث عن الثورة وفتيلها، وأحدهم نصحه بالذهاب إلى دورة المياه قبل أن يسمعه رقيب النادي المتخصص باصطياد هفوات  الرواد ، فيتعرض المؤلف لعواقب وخيمة  وهو لا يحتمل "الطبطبة" من قبل رجال الأمن .
استجاب المؤلف  لنصائح الزملاء والأصدقاء   فابتعد عن الحديث بقضايا الثورة  وفتيلها واقتصر كلامه على حالة استسلام الرعية  للحاكم المستبد ،  وحدد معارفه لحديثه مطلع القرن العشرين ، وفي حال رغبته في تجاوز تلك الفترة الزمنية عليه أن يحصل على موافقتهم ، وبهذا الأسلوب وبتعاون الآخرين  استطاع التخلص من مخاوف الحديث عن الانتفاضات الشعبية وحركات التحرر وثورات الجياع ، فأصبح واحدا من أفراد الرعية  المستسلمين للسلطة  يجيد السير بجانب الحائط ، ويحرص على حبس أنفاسه خشية أن تفسر من قبل الحيطان بأنها دعوة لإشعال فتيل الثورة ، وهو يعلم  أن الرعية لن تنهض من سباتها الطويل وليس بإمكانها  تحقيق إرادتها باستخدام "الفتيلة"(الشليلة) "في خياطة اللحف استعداداً لاستقبال فصل الشتاء.   

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بايدن: اتفاق غزة بات أقرب من أي وقت مضى

خرائط وبيانات ملاحية ترصد 77 خرقاً "إسرائيلياً" لأجواء أربعة دول عربية منذ تهديد إيران

مشعان الجبوري يخاطب "السيادة": اعتذروا والا

أمر قبض ومنع سفر لـ"زيد الطالقاني"

برلماني يكشف آخر مستجدات منصب رئيس البرلمان

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

قناطر: في قراءة قانون الأحوال الشخصية

قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959

الدولة لا الاحكام الظنية من تضع للاسرة تشريعاتها

العمودالثامن: لماذا يطاردون النساء ؟

العمودالثامن: من الشبيبي إلى رشيد الحسيني

العمودالثامن: من الشبيبي إلى رشيد الحسيني

 علي حسين لم يكن الشيخ محمد رضا الشبيبي مجرد سيرة حافلة بالمواقف الوطنية، بل كتاباً غنياً لحقبة من الزمن الجميل، كان الشبيبي يريد دولة تقوم على العقل والأخلاق السياسية والاجتماعية وكرامة الإنسان، كان...
علي حسين

كلاكيت: عماد حمدي.. المسطول الذي رثى مسيرته

 علاء المفرجي إذا ما سلمنا أن الممثل عادة هو من صنع المخرج، فأن انطلاقة الفنان عماد حمدي كانت من تلك الفورة الكبيرة في السينما المصرية ومن نشاط المنتج (شركة أو افراد) التي كانت...
علاء المفرجي

قرنان من التشيع والحوزة في العراق.. من 1722 إلى 1922

علي المدن شاهدت الحلقة التي أعدها الأستاذ أحمد الحسيني على قناته في اليوتيوب وكان عنوانها (صراع قم مع النجف.. هل اقترب ظهور المرجع العراقي). وهي حلقة غنية بالمعلومات تنم عن جهد كبير بذله الحسيني...
علي المدن

الدولة لا الاحكام الظنية من تضع للاسرة تشريعاتها

هادي عزيز علي اعتمد الفقهاء المسلمون الاحكام الظنية التي تتسع فيها دائرة الاجتهاد اذ استنبطوا منه الحكم الشرعي من الدليل التفصيلي فيما لا نص فيه للوصول الى قواعد عملية تتعلق بادارة الشان العام بما...
هادي عزيز علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram