من أفضل ما قالت العرب، وأفضل ما ترجم من أقوال الى العربية حتى عصره، فضلا عن أقوال له أو من عنده، ألف أبو حيان التوحيدي موسوعته المعروفة "البصائر والذخائر". ومما نعتقد أنه أفضل الأفضل في تلك الموسوعة، سنختار مجموعة من الأقوال لتكون مادة هذه الأحاديث الشفوية يوما في كل اسبوع.
وعنوان "تراثيات معاصرة"سيكون هو مقياس اختياراتنا. اي أن تكون الأقوال حية، عاندت الزمن، ولم تفقد نضارتها، لهذا السبب أو ذاك من الأسباب المغذية للخلود، كالعمق أو الطرافة أو العذوبة أو الذكاء أو الجمال، أو شيء من هذا وذاك، مما يبقي الفائدة أو المتعة فيها، وبالتالي يجعل منها "تراثا معاصرا".
ولعل هذه الزاوية ستكون فرصة لي، ولقارىء هذا العمود، للابتعاد، ولو مرة في الاسبوع، عن مواجهة هموم هذه "الأيام" التي تجر ندما وتورث سقما، والاستراحة منها في محطات من الأقوال لا تنقطع عنها الأنوار، ولا تقترب منها الأزبال، ولا يشوبها الفساد، ولا ترفع السكر، ولا تخفض الضغط، ولا تزيد الكولسترول.
اذن فلنتوكل على الله ونبدأ مع "مختار المختار" من "البصائر والذخائر":
- قال أكثم بن صيفي: ان الهوى يقظان والعقل راقد.
- قال أعرابي: الأمثال مصابيح الأقوال.
- ولآخر: الشَّيب بريد الهلاك.
- قال سقراط: ما أصعب أن يكون الشهوانيُّ فاضلا.
- وله أيضا: إن المُلك الأعظم ان يملك الإنسان شهوته.
- قال غيلان بن جرير: عقول الناس على قدر زمانهم.
- كسرى: اذا كان عدوك عاقلا فانك منه في عافية.
- قال فيلسوف: العقل اعتدال الطبع.
- علي بن عبيدة: العقل مَلِكٌ والخصال رعيته، فاذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل اليها.
- قال علي رضي الله عنه: ليس من أحد إلا وفيه حمقةٌ فبها يعيش.
- وله أيضا: الكريم لا يلين على قَسْرٍ، ولا يقسو على يُسر.
- ابن المقفع: الصديق نسيب الروح والأخ نسيب الجسم.
- قيل لمحمد بن واسع: ألا تتكىء؟ قال: تلك جلسة الآمنين.
- قال الحسن البصري: من عمل بالعافية فيمن دونه رزق العافية ممن فوقه.
- لجعفر الصادق: الفتن حصاد الظالمين.
- سئل سقراطيس الفيلسوف: ما صناعة الخطيب؟ قال:"أن يعظِّم الأشياء الحقيرة، ويصغِّر الأشياء العظيمة". وكانت الخطابة في اليونان القديمة تقوم بدور الصحافة في هذا العصر.
- التوحيدي: كان لظريف جاريتان إحداهما حاذقة والأخرى متخلفة، وكان اذا قعد معهما وغنته الحاذقة خرَّق قميصه، واذا غنت الأخرى قعد يخيطه.
- كان واعظ يقول في كلامه: يا أوعية الأسقام وأغراض المنايا الى متى هذا التهافت في النار؟
- قال عبد الله بن مسعود: تعودوا الخير فإنما الخير عادة.
- لسهل بن هارون: تزيوا بزي الكتّاب، فإن فيهم أدب الملوك وتواضع السُّوقة.
- قال فيلسوف: أصاب الدنيا من حَذَرَها وأصابت الدنيا من أمنها.
- قال أعرابي: الرزق الواسع لمن لا يستمتع به بمنزلة الطعام الموضوع على قبر.
- سأل رجلٌ سقراط: لم صار ماء البحر مِلْحا؟ فأجابه: إن أعلمتني المنفعة التي تنالها من معرفة ذلك أعلمتك السبب.
- التوحيدي: "لقد أشكل الإنسان على الإنسان". كم هي عميقة وخالدة مقولة التوحيدي هذه!