TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الشرطة في خدمة "تعليق" الشعب

الشرطة في خدمة "تعليق" الشعب

نشر في: 7 نوفمبر, 2012: 08:00 م

لو أن حفلة تعذيب مواطن وتعليقه على احد أعمدة الشوارع في محافظة ديالى،تمر دون عقاب صارم لمنفذيها، فقد لا نستبعد ان تتحول مراكز الشرطة الى دوائر تنفيذ الأحكام العشائرية بحجة ان شرطتنا المغوارة تخاف على التقاليد وتحترم السلم الاجتماعي، وتريد تنفيذ شريعة أولي الأمر.

الخبر الذي نشره موقع ساحات التحرير يقول: ان مواطنا من اهالي قضاء المقدادية اسمه  محمد المقدادي، تم اعتقاله بتهمة قتل عائلة،  ولكي  يعترف بجريمته مورست معه شتى صنوف التعذيب، ولم يكتف مغاوير الشرطة بذلك، فقرروا تنفيذ حكم الاعدام به، حيث تم تعليقه على احد اعمدة الشوارع الرئيسية، لم تنته  القصة عند هذا المشهد المأساوي،  فقد قررت الشرطة ان تتباهى بفعلتها فاستدعت اقارب العائلة المغدورة لمشاهدة المجرم الذي تم تنفيذ القصاص به،  فكانت المفاجأة حين اعترف احد اقارب العائلة ان الشخص المعلق لاعلاقة له بالجريمة، ولا صلة له بالامر نهائيا.

ما بين الجريمة التي نفذت ضد العائلة البريئة، وبين بشاعة  القصاص من مجرم مفترض، تعيش الناس اليوم في ظل افراد واجهزة يعتقد كل منهم  ان له الحق في تنفيذ قانونه الخاص، قد تكون هناك جرائم تستحق العقاب، لكن المؤكد ان العقوبة يجب ان تأتي بأمر من القضاء، لا بأمر من ضباط يعتقدون أنهم فوق القانون وفوق الشرائع، عندما يصر البعض على تنفيذ قانونه الخاص، فاغلب الظن اننا ننجرف الى هاوية  لانهاية لها.

لعل الأخطر في واقعة  تعليق المواطن المسكين وقتله في قضاء المقدادية، ليس أن أفرادا من الشرطة قرروا أن يكونوا هم الدولة وهم القانون، بل هو رد فعل وزارة الداخلية التي صمتت، حيث لم نسمع حتى هذه اللحظة، تصريحا لمسؤول يقول لنا ما الذي حصل، وما  هي الاجراءات التي اتخذت بحق منفذي هذا الفعل الاجرامي الشنيع.

اليوم الناس تعيش في ظل اجهزة امنية خلطة منتقاة من تصرفات استفزازية وشتائم جاهزة وجهل تام بقواعد السلوك الاجتماعي، تلك هي مؤهلات البعض من قوانا الامنية بعد أن صرفت لهم وزارة الداخلية  مجموعة من العبارات المحفوظة في علب قديمة من عينة "وين رايح"، "الاخ من يا عمام"، فتشعر أنهم جميعا، يرددون هتافا واحدا، ويرتدون ثوبا واحدا، وفي يد كل منهم عصا غليظة يخرجها في اللحظة التي يشم فيها رائحة اختلاف مع ممارساته اللاشرعية.

ويبدو أن البعض نسي بسرعة ان سياسيينا الاشاوس كانوا يقولون انهم وافقوا الامريكان على الاطاحة بنظام صدام بعد ان ضجت الناس بانتهاك كرامتها وآدميتها على يد الاجهزة الامنية، بحيث يمكن القول ان التغيير الذي حصل عام 2003 كان بمثابة انقلاب على  الدولة القمعية  البوليسية، فهل يعقل بعد عشر سنوات تعود  الاجهزة الامنية الى ممارسة القمع وقتل الناس وانتهاك ادميتهم، وان تتعرض الناس كل يوم الى سيل من الممارسات السادية التي يقوم بها افراد من الاجهزة الامنية اعتقدوا انهم ملكوا الارض وما عليها.  

سيقول البعض انها  ممارسات متناثرة هنا وهناك لم تشكل سياقا عاما بعد، وينسون ان السكوت على مثل هذه الافعال سيحولها من جديد إلى منهج وسياق تبدو معه الاجهزة الامنية وكأنها لا تريد ان تغادر عصر " القائد الضرورة ".

ومرة أخرى  قد اتفق مع القائلين ان هذه وقائع فردية، لكنها في النهاية  تبقى رسائل رعب تبثها اجهزتنا الامنية  التي نراها وديعة وخانعة امام سلاطين الفساد وامراء المليشيات وسراق البلد، وصنديدة  ومغوارة مع المتظاهرين والناشطين المدنيين  والرافضين لحكم امراء الطوائف.

اليوم تدرك الناس انها تعيش في ظل أفراد  وجماعات  يعتبرون أنفسهم فوق القانون، أو هم القانون ذاته، أنهم يطبقون القانون من منظورهم الخاص وفقا لمفهومهم عن الحياة، مثلما فعل السيد حازم الاعرجي في صولته على بائعي اقراص الاغاني والافلام والمسلسلات في الكاظمية، فالرجل اختصر القانون واجهزة الشرطة والدستور بشخصه  فقرر ان يقوم بغزوته على الناس.

لقد عملت البشرية منذ عقود على  اختراع اسمه الدستور الذي هو عقد اجتماعي بين المواطنين جميعا، ينتقل من خلاله المجتمع  من حالة الفوضى واللاقانون، إلى حالة النظام والتحضر والعدالة التي تطبق على الجميع، وهذه هي الضمانة الوحيدة لاستمرار الحياة، ودون ذلك سيتحول المجتمع إلى غابة يفرض فيها القوي قانونه الخاص على الضعفاء.

لعل أفظع ما في الأمر أن مشهد تعليق المواطن تحت سمع وبصر الدولة يكشف لنا أن كل ما قيل عن الدولة والقانون هو كلام من قبيل الاستهلاك اليومي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. seif

    الذي عمليه الشرطه هو عين الصواب ولعن الله القاتل ولو عملنا في المجرمين الارهابين مثل هذا مكان اليوم يعتدون حتى على لاطفل في عمر 5 وسبع سنين بعد اكثر من هذا الجرم لو يعلقونهم مثل هذا المجرم لما فكر احد ى ان يعمل عمل رهابي جبان ولاكن من امثالكم المؤيدين للا

  2. حازم

    فدوه اروح للعلقه هولومو مجرم ما يتعلق ماعلقوك انت ماعلقوني اني فدوه اروح للضابط البطل الي امر بل تعليق لو2 مثله يسون هذا الامر جان مابقى ارهاب من امن العقاب اساء الادب

  3. أحمد

    بالنسبة لمن يؤيد هذا الفعل ويشجعه اقول لهم ... من سيأخذ بحق الضحية من رجال الشرطة بعد ان تبين انه بريء وليس القاتل ، ثم لماذا لم يتم اتخاذ نفس الشيء مع قتلة الملايين من الشعب العراقي ممن تلطخت ايديهم بالحرب الطائفية وتصفية الطياريين والكوادر العلمية وغيره

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram