دافع رئيس الوزراء نوري المالكي أمس الخميس عن قرار حكومته القاضي باستبدال البطاقة التموينية بمبالغ نقدية، مؤكدا في بيان صدر عقب كلمته على هامش حضوره وضع حجر الأساس لمشروع إنشاء مستشفى شمال بغداد تلقت المدى نسخة منه أن نظام البطاقة التموينية بحاجة إلى الإصلاح، مبينا أن مجلس الوزراء قرر توفير المواد الغذائية في الأسواق بالإضافة إلى المبلغ المقرر.
وعزا ذلك القرار بقوله ، "نحن اليوم أمام عراق يحتاج إلى إصلاحات وتطوير واستحداث لكل الأنظمة التي ورثناها في مجالات الصحة والزراعة والصناعة والتعليم والإسكان وغيرها".
وشدد المالكي بقوله "نحن ماضون بإصلاح أنظمة جميع القطاعات وبالأخص في المجال الصحي والمستشفيات التخصصية وإنشاء مراكز صحية ومستشفيات لعلاج الحالات الصعبة".
وفي سياق متصل نقلت قناة العراقية عن المالكي القول"إن مبلغ الـ(15)ألف دينار قد يزداد إلى(25)ألف دينار.
ووصف المتحدث باسم الحكومة علي الدباغ أول من أمس الأربعاء ، أن قرار إلغاء البطاقة التموينية جاء للقضاء على حالات الفساد المرافقة لتوزيعها، مشيراً إلى إن الحكومة أضافت مبلغ 3 آلاف دينار لكل فرد على سعر المواد التموينية والمقدر بنحو 12 ألف دينار.
و كان مجلس الوزراء قد قرر في جلسته الثامنة والأربعين التي عقدت الثلاثاء السادس من الشهر الجاري، استبدال البطاقة التموينية المطبقة حالياً بمبالغ نقدية توزع على المشمولين بالنظام المذكور بواقع (15) ألف دينار لكل فرد.
وقد أثار القرار ردود أفعال شاجبة ومستنكرة للقرار من قبل العديد من الأوساط الدينية والسياسية والشعبية،أكدت جميعها على ضرورة توفير البدائل الحقيقية والصحيحة والعملية ،التي تضمن حصول المواطن على حصته من الغذاء،وعدت بعض الجهات أن القرار سيوفر الكثير من الأموال المهدورة على شراء المواد الغذائية الفاسدة.
المرجع الديني بشير النجفي وعلى لسان نجله الشيخ علي أكد أول من أمس الأربعاء، رفضه قرار مجلس الوزراء الخاص بإلغاء البطاقة التموينية، محذراً في الوقت نفسه من نتائج سلبية كبيرة من تطبيق القرار.
وشاركته كتلة الأحرار ذات الرأي وعدت الأمر بالخطير في حالة عدم توفير البدائل ووصول المواد الغذائية للمواطن الذي يعيش وسط حزمة من الأزمات.
كما أكد التحالف الكردستاني،أول من أمس الأربعاء، أن إدارة الحكومة ملف البطاقة التموينية لم تكن موفقة، داعيا إياها إلى وضع ضوابط على أسعار السلع الغذائية وزيادة مبلغ تعويض البطاقة التموينية حماية لمصالح المواطنين.
إلغاء البطاقة لا علاقة له بشروط صندوق النقد الدولي
ويقول المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء علي الموسوي في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "القرار لا علاقة له بشروط صندوق النقد الدولي"، مبيناً إنه "جاء بعد دراسة مستفيضة لواقع البطاقة التموينية".
ويوضح الموسوي أن "القرار جاء بعد تفاقم المشاكل في عملية توزيع المفردات، والتي لا تصل أحيانا إلى مستحقيها أو تصل بشكل ناقص أو متأخر"، لافتاً إلى أن" الإلغاء اختصار لطريق محاربة الفساد من خلال عدم التلاعب بالمفردات وتوزيع المبالغ لمستحقيها"، مشيرا إلى أن "المبالغ التعويضية البالغة 15 ألف دينار للفرد الواحد قيمت بشكل دقيق عن طريق وزارة التجارة"، مبيناً إن "حصة الفرد الواحد من البطاقة التموينية، في حال وصلت بشكل كامل وبنفس الجودة، تبلغ 12 ألف دينار شهرياً للفرد الواحد"،مؤكدا إن "مجلس الوزراء شكل لجنة لدراسة أساليب التطبيق".
فيما يرى عضو اللجنة المالية في مجلس النواب حسن أوزمن أن "توزيع مفردات البطاقة غير مفيد للحكومة وللمواطن على حد سواء، لوجود عمليات فساد فيها، إضافة إلى عدم توزيع هذه المفردات بشكل منتظم"، داعياً إلى "توزيع المفردات على المستحقين وفق معايير محددة، ويتم استثمار المتبقي من الأموال في مشاريع التنمية".
ويبين أوزمن إن "مشاريع التنمية سوف تشجع القطاع الخاص العراقي للعمل بشكل واسع في البلاد"، لافتاً إلى أن "اللجنة المالية ستجتمع لوضع مقترحات لرفع مبلغ التعويض إلى 50 ألف دينار للفرد الواحد".
من جانبه، طالب عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب حسين المرعبي الحكومة بالسيطرة على الأسعار والسوق للحيلولة دون الوقوع في فخ الاحتكار وجشع ذوي النفوس الضعيفة.
ودعا المرعبي الحكومة إلى "توفير الدعم للزراعة وخصوصا مادتي الحنطة والشلب"، مشدداً على ضرورة "رفع البدل النقدي إلى 25 ألف دينار بدلا من 15 ألف دينار".
فيما طالب عضو لجنة النزاهة البرلمانية جواد الشهيلي الخميس، رئيس الحكومة نوري المالكي باعتقال وزير التجارة الأسبق "الهارب" عبد الفلاح السوداني ومكافحة الفساد بصفقات تسليح الجيش الأخيرة قبل إلغاء البطاقة التموينية، فيما اتهم الحكومة بالسعي لدعم الطبقات العليا ومحاربة الفقراء.
وقال الشهيلي في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "المواطن العراقي يعاني من ارتفاع الأسعار، حيث لا توجد مؤسسة اقتصادية حقيقية في الشارع العراقي"، مطالبا رئيس الحكومة نوري المالكي بـ"اعتقال وزير التجارة الهارب عبد الفلاح السوداني ومكافحة الفساد الموجود بصفقات تسليح الجيش الأخيرة قبل إلغاء البطاقة التموينية"، بحسب تعبيره.
مضيفا أن "إلغاء البطاقة هو دليل على ضعف الحكومة في محاربة الفساد"، متهما الحكومة بـ"السعي إلى دعم الطبقات العليا، وإعلان الحرب على الفقراء".
معتبرا أن "هذه الخطوة غير منطقية وغير صحيحة"، داعيا الحكومة إلى "التراجع عنها".
وأكد الشهيلي أن "المواطن العراقي سوف يدفع ثمن ذلك"، لافتا إلى أن "الشعب العراقي لم يصمت في حالة محاربته بلقمة عيشه".
ووصف رئيس لجنة التخطيط في مجلس محافظة بغداد محمد الربيعي في حديث لـ"السومرية نيوز"، قرار إلغاء بـ"المتسرع وغير الصحيح"، مشيرا إلى إن "البلد في الوقت الحالي لا يتحمل مثل هذه القرارات، خاصة مع أزمة البطالة التي تصل إلى 23 بالمئة، ما يعني إن ربع السكان تقريباً يعاني من الفقر"، داعيا "الحكومة العراقية إلى أن تطلق مشاريع ضخمة لتطوير البنى التحتية، وتحقيق نهضة عمرانية تجذب شركات عالمية من شأنها توفير حركة اقتصادية وفرص عمل للمواطنين، الذين سيحصلون على بدائل عيش مناسبة وتسد حاجتهم وتمكنهم من الاستغناء عن البطاقة التموينية"، معتقدا أن "الحكومة العراقية ستواجه صعوبات بالتأكيد إذا تم بالفعل إلغاء البطاقة، خاصة وإنها لا تستطيع حالياً، السيطرة على التجار مع وجود ضعف في الرقابة"، مرجحاً أن "تصل حاجة المواطن إلى 25 ألف دينار لتغطية حاجته من مواد التموينية التي ستنقطع عنه".
كما اعتبر نائب عن القائمة العراقية في كركوك،أول من أمس الأربعاء قرار إلغاء البطاقة التموينية مستعجلا وغير صائب وأزمة جديدة تضاف إلى أزمات البلاد، مرجحاً وجود "لوبي ضاغط" من التجار المنتفعين وراء قرار إلغائها، فيما اعتبرها "آخر القلاع الآمنة للمواطن".
فيما استغرب العديد من المواطنين هذا القرار الذي عدوه مجحفا بحق المواطن العراقي.
المواطن عبد الرضا يرفض إلى الآن تصديق خبر إلغاء "الحصة" كما يسميها أي التموينية، ويصرخ قائلا بلهجته "عمّي كل شي ولا الحصّة، هذا الشيء الوحيد اللي ساتر علينا"، وسرعان ما يلتفت موجها حديثه للمحيطين به مؤكدا بلهجة واثقة "لا .. لا ..ما أعتقد يسووها.. هاي شغلة ماتصير ولا راح تصير"،ويتابع محمد عبد الرضا (31 عاماً) موجها حديثه لـ"السومرية نيوز"، "إلغاء البطاقة التموينية نتائجه سلبية ويضر بمصالح الناس"، قبل أن يستدرك ويؤكد "ولو هي حصة قليلة ونوعيتها رديئة، لكن هي وباعتراف الجميع مصدر عيش للملايين"، ثم يوجه عبد الرضا حديثه للحكومة قائلا إن "عليها أن تلتفت إلى الشعب العراقي وأن تحسن مفردات البطاقة بدلاً من إلغائها الذي سيفرغ جيوب الفقراء ويملأ قاصات الأغنياء"، حسب قوله.
بدوره يقول المواطن يوسف نايف (48 عاماً) إن "قرار الإلغاء من عدمه لا يؤثر على المواطن العراقي"، لافتا إلى أن "البطاقة ملغية أصلاً وهي لا توزع بالشكل الصحيح"، ويوضح نايف، لـ"السومرية نيوز" قائلا "العراق بلد نفطي وبالتالي يجب أن يشعر المواطن بقيمته وكرامته كما هو الحال في دول العالم النفطية"، مؤكداً أن "القرار سيزيد من نسب الفقر، ولن يملأ إلا بطون التجار، وقد يدفع المتضررين الذين يعتبرون التموينية شريانهم الأبهر إلى التظاهر"، حسب تعبيره، ويضيف مازحا "بالنسبة لي، لا أعتبر أن حياتنا ستكون طبيعية، بدون وجود الحصة التموينية"، على حد قوله.
وفي وقت يرجح خبراء اقتصاديون أن يكون قرار الحكومة العراقية بإلغاء البطاقة التموينية منسجماً مع شروط صندوق النقد الدولي، فإنه شكل صدمةً كبيرة للمواطنين، بخاصة للعاطلين عن العمل وأصحاب الدخل المحدود.
وبينما ترى الحكومة، من جانبها أن القرار جاء للمصلحة العامة، ولاختصار الطريق والتخلص من مشاكل توزيع مفردات التموينية والفساد المرافق لها، إلا أن هذا الرأي لا يبدو مُقنعاً لشرائح واسعة من المواطنين، الذين هدد بعضهم بالتظاهر في حال لم تعدل الحكومة عن قرارها.
من جهته يقول الخبير الاقتصادي ماجد الصوري إن "القرار لم يكن مدروساً ومعمقا، ولا ينسجم مع متطلبات الشعب العراقي"، لافتاً إلى إن "الاستفتاء الذي أُجري في عهد نائب رئيس الوزراء السابق برهم صالح بيّن إن نسبة 95 بالمئة من السكان ترفض إلغاء البطاقة التموينية والتعويض ببدل نقدي".
ويضيف الصوري لـ"السومرية نيوز"، أن "الحلول المطروحة هي نفس الخيارات السابقة، وتتمثل بتخصيص خمسة مليارات دولار سنوياً"، مشيراً إلى "غياب الآليات الواضحة لتوزيع مبالغ التعويض مما سيؤدي إلى حدوث فساد مالي"، مؤكدا أن" شروط صندوق النقد الدولي تنص على أن المساعدة في تخفيف مستويات الفقر وتخفيض البطالة لن تتم قبل أن ترفع الحكومة الدعم عن البطاقة التموينية والمشتقات النفطية".
وكان العراق قد أبرم اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي في شهر تشرين الثاني من عام 2004 يقضي بموجبه إلغاء 80% من الديون المترتبة بذمة العراق البالغة 120 مليار دولار من قبل دول نادي باريس مقابل التزام العراق بالإصلاحات الاقتصادية ومنها رفع الدعم على المشتقات النفطية والبطاقة التموينية وتحسين نوعية إحصاءاته المالية وتأمين الشفافية في توفير الموارد للبنك المركزي.
وقلصت الوزارة في 2010، مفردات البطاقة إلى خمس مواد أساسية هي مادة الطحين، والرز، والسكر، والزيت، وحليب الأطفال، وأكدت أن باقي مفردات البطاقة التموينية التي يمكن شراؤها من الأسواق المحلية كالبقوليات والشاي ومسحوق الغسيل وحليب الكبار سيتم إلغاؤها.
يذكر أن غالبية العراقيين يعتمدون على ما تزوده بهم البطاقة التموينية في حياتهم اليومية منذ بدء الحصار الدولي على العراق في العام 1991 بعد حرب الكويت، وتشمل مفردات الحصة التموينية للفرد الواحد الرز، والطحين، والزيت النباتي، والسكر، والشاي، ومسحوق الغسيل، والصابون، والحليب المجفف(للكبار)، والحليب المجفف (للصغار)، والبقوليات كالعدس و الفاصوليا و الحمص، وتقدر قيمة هذه المواد بالنسبة للفرد الواحد في السوق المحلية بنحو عشرة دولارات من دون احتساب حليب الأطفال، في حين يتم الحصول عليها عن طريق البطاقة التموينية بمبلغ 500 دينار فقط.
وكانت وزارة التجارة العراقية أكدت، في (29 أيار 2011) أن البطاقة التموينية سيتم إلغاؤها عام 2014 وتركيزها بين الأسر الفقيرة فقط.