TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > تقدّم نحو الوراء

تقدّم نحو الوراء

نشر في: 9 نوفمبر, 2012: 08:00 م

في سنوات عقد السبعينات من القرن الماضي يوم كانت الحياة السياسية تشهد حالة من الاستقرار النسبي ، بوجود ما كان يعرف بالجبهة الوطنية كانت صفة التقدمي تطلق على الشخص صاحب الأفكار  المؤمنة بالديمقراطية  وتحرر الشعوب ، وحقوق المرأة وإلغاء الفوارق بين الريف والمدينة  ونبذ العنف والعمل المسلح في تحقيق مكاسب حزبية ، في تلك الأجواء نشأ جيل من التقدميين وأحدهم "التقدمي" على استعداد للدفاع عن أفكاره بقوة وشجاعة ، بالمقابل كان هناك الرجعي المتخلف بحسب وصف ذلك الزمان ، والمعادلة اختلت  مع مرور الوقت  بفعل ما حصل من أحداث وانقلاب على "الجبهة الوطنية" وفرض هيمنة الحزب الواحد ،ثم دخلت البلاد في دهليز مظلم فحصل تقدم من نوع آخر  يتجه نحو الوراء ، وفي بعض الأحيان نحو الجوانب ، فشهدت  الحياة السياسية مسارا آخر مثل "أبو الجنيب " .

الجيل الجديد من العراقيين اليوم غير معنيين بالتقدميين والرجعيين ، لان المعادلة السياسية الجديدة لم  تستند إلى هذه الثنائية ،  لكونها ملائمة لزمن مضى وانقضى ،  فأصبح الحديث عن التقدمي والرجعي  استرجاعا لذكريات  ربما انتقدها اليوم  خصوم الأمس .

الصراع بين التقدمي والرجعي لم يقتصر على الجانب السياسي فقط بل امتد إلى نواح أخرى  فالأول كان يواكب الموضة ، ويتابع آخر أغاني الكاسيت ، وأطلق شعره   وارتدى بنطلون الجارلس  وعرف بزلفه الطويل ، أما  الثاني فظل محافظا على ثوابته  بالزي والسلوك ، وقبل ذلك الأفكار ،  وفي ذلك الزمان كان احد رجال الدين في منطقة  الكاظمية يشن حملة يومية  من منبره  ضد أصحاب "الزلوف" لأنهم باعتقاده كفرة  يروجون  لأفكار تدعي أن أصل الإنسان  قرد ، وأثناء المحاضرة ، حث الحضور على ملاحقة أصحاب الزلوف أي التقدميين في ذلك الوقت ، لأنهم يروجون لأفكار هدامة ، ويحاولون جر المجتمع لمستنقعات الرذيلة أجلكم الله  ، وبأسلوب الممثل فريد شوقي في بعض الأفلام المصرية  القديمة رفع  صوته فسمعه حتى الطرشان "انقذوا دينكم" ،   وفشل في تحقيق نجاح دعوته ،واستدل على ذلك من قلة حضور مجلسه في اليوم التالي .

بعد إعلان خراب "الجبهة الوطنية "  شنت حملة لملاحقة رجال الدين  فتطوع عدو نظرية  النشوء والتطور ضمن الأجهزة الأمنية ، وانتهى به المطاف سائق سيارة أجرة  بتكليف من دائرة امن المنطقة،   ، وعلى يده ثم اعتقال العشرات ،  وبعضهم تم تنفيذ حكم الإعدام بحقه ،  باختصار قدم خدمة جليلة وكبيرة وقتذاك في القضاء على  من  يوصف بأنه يشكل تهديدا للنظام ، وهذا السجل كشفه بعد مرور سنوات رجال دين آخرون  ، رفضوا أن يكونوا طرفا في صراع أو دعم توجه أو رأي  ضد آخر ،  واتخذوا  موقعا وسطا بين التقدميين والرجعيين .

التقدمي لم يتقدم خطوة للأمام وكذلك الرجعي لم يغير المسار  إلى الوراء ، واليوم هناك من يريد أن يحرك العجلة ،  ولكن على طريقة أبو الجنيب   بتبني حملة إيمانية  بنسخة جديدة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram