بعد عملتها "المخجلة" بقرار إلغاء البطاقة التموينية اليتيمة، ونتيجة للضغط الشعبي والإعلامي والسياسي أيضا وجدت حكومة المالكي بأكملها نفسها محشورة في زاوية ضيقة لا تحسد عليها، فتفتق ذهنها العبقري عن عملية التفاف على الانتقادات الواسعة وخلق "دفرسوار" لشق جبهة الرفض وتبرير عملتها، فقال المالكي في هذا السياق إن الـ15 ألف دينار البديل عن البطاقة قد ترتفع الى 25 ألفاً، وقالت الحكومة إنها ستجري استبيانا شعبيا لمعرفة وجهة نظر الشارع العراقي بقرارها العتيد، وثالثا أعربت وزارة التجارة أنها بصدد إجراءات لمنع ارتفاع الأسعار بالسوق نتيجة لقرار الحكومة..!
قرارات وتوصيات متخبطة أخرى، بل ومتناقضة ومثيرة للسخرية، أولها أن إعلان المالكي عن الزيادة في مبلغ البديل يعني أن القرار لم يدرس بعناية لا اقتصاديا ولا سياسيا وهو التفسير المنطقي لدعوات الزيادة إن لم يكن تخديرا للأعصاب .. ثانيهما.. ان عمل حكومتنا الدقيق بالمقلوب فهي تأخذ القرارات التأريخية وعندما تحاصرها ردود الأفعال الشعبية تلجأ الى الناس من خلال استبيان واضح النتائج "ترقبوا النتائج" سيقول الاستبيان ان نصف الشعب مع الغاء البطاقة وبذلك تنقذ ماء وجهها إعلاميا على الأقل من خلال أوراق استبيان من المؤكد انه لن يكون الا تزويقا لقرار الحكومة.. وثالثهما.. ان الحكومة تعرف ان القرار سيؤدي الى ارتفاع الاسعار في المواد الغذائية وأنها ستعمل على السيطرة على الاسعار، التي بدأت ترتفع تدريجيا، يقول المثل العراقي الشعبي "مجنون يحجي وعاقل يسمع".. بربكم .. هل تستطيع الحكومة ان تسيطر على الأسعار وهي التي لم تستطع كبح جماح الفساد في وزارة التجارة؟ وكيف سيتسنى لها ذلك في سوق مفتوحة لا يحكمها الا قانونها الاقتصادي الخاص؟ وما هي كفاءة الجهاز الحكومي الذي ستعتمد عليه في تنفيذ قراراتها القادمة في السيطرة على السوق؟
المشكلة لدى حكومتنا العتيدة وعلى رأسها السيد المالكي، إنها تعتقد انها في مدينة ملاهي وبامكانها ان تنتقل من لعبة الى اخرى بمجرد تغيير في بطاقة استخدام اللعبة، أنها على ما يبدو لا تدرك انها تدير شؤون 30 مليون مواطن، أو هكذا يفترض في الأقل، وان هذه الإدارة على كافة المستويات، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، محكومة بمجموعة عوامل وقوانين تحرك الحياة، وان تصرفها على طريقة "جرّة قلم " ليس إلا تعبيرا عن الجهل المطبق بآليات عمل تلك القوانين، تعتقد الحكومة أنها اذا قررت ان تسيطر على الأسعار الحالية بعد تطبيق القرار، فان تجار البلد سيأتون إليها صاغرين ليقدموا لها فروض الطاعة والاحترام والخضوع لرغباتها الذاتية، وليس مواجهتها بمجموعة قوانينهم الخاصة التي تفرغ أي "رغبات ذاتية" للحكومة على قضها وقضيضها، لنشهد من جديد مسلسلا مرعبا لارتفاع غير مقيد بالأسعار..
بكل وضوح لدينا حكومة لا تعرف ما تريد ولا كيف تريد وحتى لو عرفت ماذا تريد فإنها لا تعرف كيف تنفذ إرادتها، وإذا عرفت فإنها لا تملك الأجهزة الكفوءة لتطبيق أفكارها "الخلاّقة "، ولو كان ما نقوله عكس الحقيقة لرأينا وضعا آخر في البلاد..
ما تحتاجه هذه الحكومة أن ينهض إليها المرحوم العلامة مصطفى جواد من قبره ليصرخ في وجهها قائلاً:
قل تبصّر ولا تقل تخبّط!