لم تعد أكبر قائمة فائزة في الانتخابات كسابق عهدها بعدما أنهكتها الانشقاقات، فالكتلة العراقية التي فازت بـ(91) مقعداً في البرلمان لم تتمكن من الاحتفاظ بهذا الرقم بعد مرور أكثـر من عامين ونصف على الانتخابات البرلمانية.
وحتى الموقع الالكتروني التابع لها لم يتم تحديثه منذ شباط الماضي، ما يعكس تباين وجهات النظر بين قادتها الأربعة وتأثير الانشقاقات التي طالتها.
وتتكون "القائمة العراقية" من أربعة مكونات أساسية دخلت الانتخابات التشريعية معاً وهي حركة "الوفاق الوطني" وحركة "تجديد" وقائمة "عراقيون" وقائمة "الحل". وابرز قياداتها إلى جانب علاوي كل من رئيس البرلمان اسامة النجيفي, ونائب رئيس الوزراء صالح المطلك, ونائب رئيس الجمهورية المحكوم بالإعدام طارق الهاشمي.
"القائمة العراقية" التي طرحت نفسها كتحالف علماني غير طائفي تضم معظم المكونات السنية ويتزعمها علاوي الشيعي العلماني. وعلى الرغم من فوزها في الانتخابات لكنها خسرت منصب رئاسة الوزراء بعد تشكل كتلة "التحالف الوطني" الشيعية التي تضم (159 نائباً) وتجمع بين "ائتلاف دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي, و"الائتلاف الوطني العراقي" لتصبح الكتلة الأكبر في البرلمان وتترأس الحكومة.
لكن "القائمة العراقية" لم تعترف بذلك واعتبرت إن كتلة "التحالف الوطني" سرقت منها منصب رئاسة الوزراء ودخلت في خلافات شديدة مع المالكي على رغم أنها مشاركة في الحكومة بتسع حقائب وزارية، وانعكس استمرار هذه الخلافات سلباً على "العراقية" تدريجيا حيث أصابتها بانشقاقات متلاحقة.
أولى هذه الانشقاقات تمثّل بإعلان ثمانية نواب منها في آذار 2011 الانشقاق وتشكيل كتلة جديدة باسم "الكتلة العراقية البيضاء" بزعامة النائب حسن العلوي, وبرر المنشقون خطوتهم تلك برفضهم طريقة إدارة "العراقية" من قبل قيادات محددة دون تسميتها. وفي التاسع من نيسان الماضي أعلن خمسة نواب آخرين من "العراقية البيضاء" انشقاقهم عنها وتشكيل كتلة جديدة باسم "العراقية الحرة".
ويقول عضو كتلة "العراقية البيضاء" النائب جمال البطيخ لـ "نقاش" إن "العراقية تعاني من مشاكل كثيرة فهي تُدار من قبل قيادات محددة فيما يُترك عشرات الأعضاء مهمشين لا يؤخذ برأيهم في القضايا السياسية". ويضيف "هي تعمل من دون منطلقات ثابتة ولا تمتلك رؤية واضحة وهو ما أدى إلى تخبط في مواقفها، فالعراقية تعارض الحكومة وهي في الوقت نفسه مشتركة في الحكومة وهذا غير منطقي".
حركة "الوفاق الوطني" التي يتزعمها علاوي وتعد العمود الفقري لـ "القائمة العراقية" طالتها هي الأخرى انشقاقات كثيرة في عدد من المحافظات, وهو ما أضعف دور علاوي كزعيم للقائمة. سلسلة الانشقاقات بدأت بإعلان أعضاء في الحركة في محافظات النجف وذي قار وديالى وواسط انشقاقهم عن الحركة وانضمامهم إلى "العراقية البيضاء" وانتهت بإعلان عشرة أعضاء في مكتب حركة "الوفاق الوطني" في محافظة الديوانية باتخاذ الخطوة ذاتها.
هذه الانشقاقات أضعفت الدور القيادي الذي يلعبه علاوي في "القائمة العراقية" لكنها في الوقت ذاته لاقت ترحيباً من "ائتلاف دولة القانون" الحاكم بزعامة المالكي غريم علاوي لاسيما بعدما برزت قيادات جديدة داخلها لأخذ دور الأخير. يقول القيادي في "دولة القانون" النائب محمد الصيهود إن "علاوي اليوم لا يمثل جميع أعضاء العراقية، فغالبية الانشقاقات جاءت بسببه".
بعض المكونات السياسية للقائمة وقادتها اعتزلت الالتزام بقرارات علاوي وفضلّت اتخاذ مواقف خاصة بها ولكنها في الوقت نفسه تؤكد بقائها في "العراقية" ولم تنشق عنها. أبرز هؤلاء القادة كان رئيس البرلمان أسامة النجيفي الذي يتزعم تجمع "عراقيون" والذي يطرح البعض اسمه كممثل شرعي لـ "القائمة العراقية" ونائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات صالح المطلك. النجيفي الذي كان من مؤيدي تحركات سحب الثقة عن رئيس الوزراء نوري المالكي التي جرت الصيف الماضي تراجع عن موقفه وأجرى فيما بعد ثلاثة لقاءات مع المالكي في الأسابيع القليلة الماضية. الشيء نفسه ينطبق على صالح المطلك الذي سبق واتهم المالكي بالدكتاتورية في التعامل عاد هو الآخر للتعامل بشكل متوازن مع الأخير بعد انتهاء أزمة سحب الثقة عنه وعودته إلى عمله نائباً لرئيس الوزراء. المالكي طلب في الثاني من آب الماضي من البرلمان إلغاء طلب سحب الثقة عن المطلك وقرر إعادته إلى منصبه كنائب له, فيما رحب المطلك بذلك وشارك بعد أسبوع واحد في جلسات مجلس الوزراء. ولم يعلن النجيفي أو المطلك انشقاقهما عن "العراقية" على رغم علمهما بأن زعيمها إياد علاوي مستاء من تقاربهما مع عدوه اللدود المالكي, لكن هذا الأمر يعكس تباين الرؤى في اتخاذ المواقف السياسية.
علاوي المعروف بخبرته السياسية الطويلة اعتبر أن جزءاً كبيراً من هذه الانشقاقات نتجت عن "ضغوطات حكومية استخدمت العصا والجزرة مع المنشقين"، في إشارة منه إلى المالكي.
وفي حين تبدو انشقاقات كتلتي "العراقية البيضاء" و"العراقية الحرة" لا تثير استياء علاوي, إلا أن تحركات كل من النجيفي والمطلك الأخيرة وتقاربهما مع المالكي لا تسره بكل تأكيد، خصوصاً مع وجود انباء باحتمال تشكيل تحالفات بين المالكي والمطلك والنجيفي في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة.
النائب عن دولة القانون سامي العسكري وهو شخص مقرّب من المالكي أعلن قبل يومين أن ائتلافه يجري مفاوضات مع كل من المطلك والنجيفي لاجراء تحالفات استعداداً للانتخابات المحلية المقبلة التي من المقرر أن تجري في نيسان المقبل.
على رغم ذلك فإن تصريحات النواب الذين ما زالوا يدينون بالولاء لعلاوي يعتبرون هذه الانشقاقات غير مؤثرة على "القائمة العراقية" ويؤكدون أنها ستدخل انتخابات المحافظات المقبلة بقوة وحماسة. تقول عضو كتلة "العراقية" النائبة عتاب الدوري إن "محاولات بعض الكتل في شق صف العراقية لن تنجح في تحقيق أهدافها".
بعض المراقبين يختصرون أسباب أزمة "القائمة العراقية" بأنها ارتكبت سلسلة أخطاء على مستوى إدارة الأزمات السياسية منذ تشكيل الحكومة الحالية وحتى اليوم، في مقابل أداء سياسي واقعي لرئيس الوزراء نوري المالكي مكنه من شق صف "العراقية".
*عن "نقاش ويكلي"
هل تصمد العراقية أمام الانشقاقات؟
نشر في: 9 نوفمبر, 2012: 08:00 م