هذه "مشكلة" شغلت بالي، وقد تكلمت عنها مرارا في مناسبات خاصة وعامة، وربما كتبت عنها أيضا، أو أحسب أنني فعلت وربما لا. العتب على الذاكرة كما يقال. ولا أعتقد أن شيئا يستحق العقوبات الدولية أكثر من ذاكرتي. لكن هذه "مشكلتي". أما موضوع الحديث فهو "مشكلة وطنية"!
هل يخجل العراقي، وصيغة التذكير هنا تشمل التأنيث، من لهجته؟
على اليوتيوب وجدت تسجيلا لشابة عراقية اسمها ألق، عساها تكون دوما في ألق، تطرح فيه شيئا قريبا من هذا السؤال. فقد لاحظتْ في احدى الفضائيات العربية أن عراقيين من نفس فئتها العمرية يتحدثون بلهجات عربية غير لهجتهم، كاللبنانية والمصرية، وطرحت هذا الموضوع للنقاش، مع انحياز الى لهجتها الوطنية، ولكن بلطف ومن دون تحامل. كانت متسائلة لا مهاجمة، ومتسامحة لا متعصبة.
تقول ألق ان شابا عراقيا في فضائية عربية خاطب كاظم الساهر قائلا: استاذ كازم!
وهي ربما لا تعرف أنه قبل هذا الشاب بأكثر من عقد كان كاظم الساهر بدوره قد "بالغ" يوما عندما باغت الشعب العراقي بأغنية "مرسي كلك زوء"!
لقد عشت وعملت 23 عاما في مؤسسات عربية غير عراقية. كما زرت معظم البلاد العربية. وهذا يجعلني أقدر صعوبة لهجتنا في بلدان الشام ومصر والمغرب العربي، مقابل سهولتها بالنسبة الى الخليجيين. لكن الذي لاحظته هو ان اللهجة العراقية محببة في كل البلاد العربية، في حين انها ليست كذلك عند أهلها، ومن أفدح مظاهر ذلك عقيدة لا اعرف من اين نزلت علينا، مفادها أن لهجة المرأة العراقية خشنة.
وهذه عقيدة لا اساس لها من الصحة. ان اللغة او اللهجة في كل بلد من بلدان العالم مستويات. تخشن وترق حسب المستوى التعليمي والاقتصادي للناس. ينطبق ذلك على الرجال والنساء. أما جعل الخشونة مخصوصة بلهجة النساء دون الرجال في بلدنا، فهذه طبقة أخرى تنضاف الى طبقات الظلم الكثيرة التي ترزح تحتها المرأة العراقية.
ويبدو لي أن هذه العقيدة هي أحد الوجوه المعبرة عن ظلم العراقي للهجته على وجوه العموم. فاذا صح ان لهجة نسائنا خشنة فماذا ستكون عليه لهجة رجالنا؟ ان موقفنا العام من لهجتنا الوطنية سلبي. قد تكون أحد أسبابه ترسب آثار الفكرة القومية في لاوعينا، وهي التي تكبر الفصحى وتزدري العامية. قلة تقدير النفس الناتجة عن تراث شنيع من الظلم والقمع قد تكون سببا آخر. وربما تتحمل مناهج التربية والتعليم أيضا بعض المسؤولية.
ولعلك تلاحظ ان المواطن العراقي في الشارع ما أن تقترب منه كاميرا التلفزيون لتسأله رأيا في موضوع حتى ينزع عنه لسانه الطبيعي ويتصنع الفصحى، فتضيع عليه المشيتان، يقطع مع ما يعرف ويهرف بما لا يعرف. وهذا ما لا يفعله مواطنو البلدان العربية الأخرى. انهم طبيعيون في حين اننا لا نبدو كذلك.
انها برأيي مشكلة تتجاوز الموقف من اللهجة ذاتها الى موقف من النفس. وأتصور لو أن ابداعات من نوع مسلسلات سليم البصري العبقرية قد تواصلت وتراكمت وكبرت لأصبح العالم العربي كله يحجي ويانه عراقي، كما أصبح اليوم يحكي خليجي، وقبله مصري وشامي. ولكن البصري وأضرابه راحوا الى دار حقهم كما راحت معهم أشياء كثيرة كان بامكانها، لو عرفت الاستمرار والاستقرار، تحسين موقفنا من نسائنا ولهجتنا وأنفسنا وبلدنا.
احجي عراقي "وحياة الله" أحسن لك!
احجي عراقي
[post-views]
نشر في: 9 نوفمبر, 2012: 08:00 م
جميع التعليقات 1
smh
, Highly intelligent man and very interesting subject, we need psychoanalysis to find out why we are not confident to talk in our accent and why we are so kind to others , frauid or lacan and mirror theory might be interested for this subject s