TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > آفـة البعـث

آفـة البعـث

نشر في: 10 نوفمبر, 2012: 08:00 م

كان آخر يوم من أيام زيارة وفدنا الثقافي لتونس خصص للقاء المنصف المرزوقي. في طريقنا لغرفة الرئيس كان يسير بجنبي الدكتور مصطفى الفقي، الذي همس بأذني باللهجة العراقية: شفت شلون بساطة الناس في الشارع التونسي قد انتقلت الى هنا أيضا؟ ابتسمت بفعل إتقانه للهجتنا لفظا وإيقاعا. أجبته: طبعا شفتها. اراد ان يقول شيئا آخر لكنه توقف لأننا وجدنا أنفسنا فجأة عند باب غرفة الرئيس الذي كان واقفا هناك لاستقبالنا.
يصعب علي وصف بساطة المرزوقي وتواضعه وسعة ثقافته. حرص الرجل على ان يسمع منا اكثر مما يتكلم. وحين جاء دوري حدثته عن مشاعر العراقيين الذين أحبوه لأنه الرئيس العربي الوحيد الذي اعتذر لهم: "في العراقيين جرح يا سيادة الرئيس صار كما الندب الغائر في الروح بفعل طعنات ابناء امتهم لهم خاصة في ايام حكم صدام المقبور. وزاد الجرح عمقا اكثر بعد سقوط صدام عندما هبّ "الاشقاء" من كل حدب وصوب ليسفكوا دماءنا ويرملوا نساءنا ويذبحوا اطفالانا. اتمنى ان تكون قد وصلتك انباء فرحتهم بك يوم اعتذرت عن اشتراك بعض التوانسة في الأعمال الانتحارية على أرض العراق".
دعانا الرئيس لنكمل الحديث حول مائدة الغداء. كانت هي الأخرى متواضعة جدا حتى وددت ان التقط لها صورة ابعثها للمسؤولين عندنا لعلهم يتعلمون درسا في معنى الرحمة بالمال العام. ودعنا بعدها فمشينا صوب باب القصر الرئاسي وكنت بجانب الفقي أيضا. لم ينس انه اراد ان يقول شيئا فاكمله ونحن في السيارة. قال لي ان سبب بساطة الرئيس والناس والمسؤولين في تونس يعود الى غياب ثقافة العنف في مجتمعهم. لم اجبه خوفا عليهم من الحسد. لكن يبدو اني حسدتهم فعلا. ففي اليوم التالي غادرت تونس. وحين دخلت الطائرة سلمتني المضيفة مجموعة صحف تونسية قرأت منها صحيفة "الشروق" وانا بانتظار ان تقلع الطائرة، وليتني ما قرأتها.
على الصفحة الاولى، وبالمانشيت الأصفر عنوان يقول "قتلة شهيد الأمة صدام حسين على أرض الخضراء!". طالعت تفاصيل الخبر واذا به بيان صادر من حزب البعث التونسي يندد بزيارة وفد برلماني عراقي لتونس. تركز الهجوم فيه على شخصيتي أسامة النجيفي وجعفر الموسوي. وصف البيان النجيفي بانه " عميل متصهين" والموسوي بالـ "مجرم". بيان يزكم الأنف برائحة بذاءته أعاد بذهني ايام البعث السود من "شباطهم"  الى كل عقود حكمهم  التي تلته بالعراق.
هاجموا رئيس المجلس التأسيسي الوطني التونسي  بقولهم انه: "لا يتورّع عن الاحتفاء بالعملاء والخونة والقوّادين". أي نوع مريض من البشر هؤلاء الذين ملأوا سطح وباطن أرض العراق وسوريا بجثث ودماء الأبرياء، وما زالوا يشتمون الناس بهذه الطريقة السوقية؟
يا له من ختام زفت ان انهي زيارتي لبلد جميل بقراءة هذه الوساخة. اقلعت الطائرة فرميت الجريدة المقرفة بعد ان لاحت لي تونس الخضراء من الجو. وضعت يدي على قلبي وانا في السماء. ربي احفظ هذا البلد الطيب من آفة البعث والبعثيين. آمين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram